مَثَلًا، فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ مُتَعَذِّرَةٌ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقَدَّرَ: لَا صِحَّةَ عَمَلٍ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقَدَّرَ لَا كَمَالَ عَمَلٍ فَهَذَانِ وَجْهَانِ مِنْ الْمَجَازِ، وَفِي الْحَمْلِ عَلَى أَحَدِهِمَا مُنَافَاةٌ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا: لَا صِحَّةَ لَزِمَ انْتِفَاءُ الْكَمَالِ، وَإِذَا قُلْنَا: لَا كَمَالَ لَمْ يَلْزَمْ انْتِفَاءُ الصِّحَّةِ، وَالْحَمْلُ عَلَى الصِّحَّةِ أَقْرَبُ إلَى انْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْكَمَالِ. قُلْت: وَمِنْ الْمُرَجِّحَاتِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ وَتَعَدُّدِ الْمَجَازِ فِيهَا مَا تَحَقَّقَتْ عَلَاقَتُهُ، فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا لَمْ تَتَحَقَّقْ عَلَاقَتُهُ: مِثَالُهُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» . فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ حَمَلُوهُ عَلَى الْمُتَسَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمَا بَائِعَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَالشَّافِعِيَّةُ حَمَلُوهُ عَلَى مَنْ صَدَرَ مِنْهُمَا الْبَيْعُ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَجَازٌ، لَكِنَّ مَجَازَ الشَّافِعِيَّةِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَلَاقَةَ مُتَحَقِّقَةٌ بِخِلَافِ إطْلَاقِ الْفِعْلِ، وَإِرَادَةِ الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَحَقَّقُ صُدُورُ الْبَيْعِ. الثَّانِي: الِاتِّفَاقُ عَلَى مَجَازِيَّتِهِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَمْ لَا؟ فَكَانَ رَاجِحًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015