وَالْمَجَازِ، وَإِلَيْهِ صَارَ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمُسْتَصْفَى "، فَإِنَّهُ قَطَعَ بِالْجَمْعِ فِي الْحَقِيقَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ: هُوَ عِنْدَنَا كَالْمُشْتَرَكِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْمِيمُ مِنْهُ أَقْرَبَ قَلِيلًا.
التَّنْبِيهُ الثَّانِي
احْتَجَّ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي " شَرْحِ الْإِلْمَامِ " لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» . مِنْ جِهَةِ أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَوَجَّهَتْ إلَى صَبِّ الذَّنُوبِ، وَالْقَدْرُ الَّذِي يَغْمُرُ النَّجَاسَةَ وَاجِبٌ فِي إزَالَتِهَا، فَتَنَاوُلُ الصِّيغَةِ لَهَا اسْتِعْمَالٌ لِلَّفْظِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ الْوُجُوبُ، وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ، فَتَنَاوُلُ الصِّيغَةِ لَهُ اسْتِعْمَالٌ فِي النَّدْبِ، وَهُوَ مَجَازٌ فِيهِ، فَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ صِيغَةُ الْأَمْرِ فِي حَقِيقَتِهَا وَمَجَازِهَا.
وَذَكَرَ الْإِبْيَارِيُّ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ أَنْ يُعَلَّقَ الْأَمْرُ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ، وَالْآخَرُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ؟ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَإِنَّ {أَتِمُّوا} [البقرة: 187] يَقْتَضِي وُجُوبَ إتْمَامِ الْحَجِّ، وَاسْتِحْبَابَ إتْمَامِ الْعُمْرَةِ إنْ قُلْنَا بِعَدَمِ وُجُوبِهَا.
التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ
احْتَجُّوا عَلَى الْحَقِيقَتَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ} [الأحزاب: 56] فَإِنَّ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّهِ الرَّحْمَةُ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ، وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْفِعْلَ مُتَعَدِّدٌ لِتَعَدُّدِ الضَّمَائِرِ، فَكَأَنَّهُ كَرَّرَ لَفْظَ يُصَلِّي، فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ مِنْ مَوْضِعِ النِّزَاعِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّعَدُّدَ بِحَسَبِ الْمَعْنَى لَا بِحَسَبِ اللَّفْظِ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْهِ، لِأَنَّ سِيَاقَهَا