وَسَبْعًا، لِيُرَكِّزَهُ فِي قُلُوبِهِمْ وَيَغْرِزَهُ فِي صُدُورِهِمْ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ.» ثُمَّ لَا يَشُكُّ أَنَّ الثَّلَاثَةَ فِي عَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْمَرَّةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، ثُمَّ مُرَادُ الشَّيْخِ التَّأْكِيدُ اللَّفْظِيُّ، أَمَّا الْمَعْنَوِيُّ فَنَصَّ النَّحْوِيُّونَ عَلَى أَنَّ أَلْفَاظَهُ الصِّنَاعِيَّةَ كُلَّهَا تُجْمَعُ، وَفَرَّقُوا بِمَا سَبَقَ.

الرَّابِعُ: أَنَّ التَّأْكِيدَ نَظِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ وَحِينَئِذٍ فَيَأْتِي فِيهِ شُرُوطُهُ السَّابِقَةُ مِنْ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِيهِ وَمَحِلِّهَا وَاتِّصَالِهِ بِالْمُؤَكَّدِ، لَكِنْ جَوَّزَ النَّحْوِيُّونَ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الأحزاب: 51] .

الْخَامِسُ: إنَّ كَوْنَ التَّوْكِيدِ يَرْفَعُ التَّجَوُّزَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَاعِلِ، فَإِذَا قُلْت: جَاءَ زَيْدٌ اُحْتُمِلَ مَجِيئُهُ بِنَفْسِهِ وَمَجِيءُ جَيْشِهِ، فَإِذَا قُلْت: نَفْسُهُ، انْتَفَى الثَّانِي. أَمَّا التَّأْكِيدُ بِالْمَصْدَرِ نَحْوَ ضَرَبْت ضَرْبًا، فَنَصَّ ثَعْلَبٌ فِي أَمَالِيهِ " وَابْنُ عُصْفُورٍ فِي " شَرْحِ الْجُمَلِ الصَّغِيرِ " وَالْأَبْذَوِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى رَفْعِ الْمَجَازِ، وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ بِنَفْسِهِ، وَهَكَذَا احْتَجَّ بِهَا أَصْحَابُنَا الْمُتَكَلِّمُونَ الْمُعْتَزِلَةُ فِي إثْبَاتِ كَلَامِ اللَّهِ، وَهُوَ غَلَطٌ، لِأَنَّ التَّأْكِيدَ بِالْمَصْدَرِ إنَّمَا يَرْفَعُ التَّجَوُّزَ عَنْ الْفِعْلِ نَفْسِهِ لَا عَنْ الْفَاعِلِ فَإِذَا قُلْت: قَامَ زَيْدٌ قِيَامًا، فَالْأَصْلُ قَامَ زَيْدٌ قَامَ زَيْدٌ، فَإِنْ أَرَدْت تَأْكِيدَ الْفَاعِلِ أَتَيْت بِالنَّفْسِ، وَهَاهُنَا إنَّمَا أَكَّدَ الْفِعْلَ، وَلَوْ قَصَدَ تَأْكِيدَ الْفَاعِلِ لَقَالَ: وَكَلَّمَ اللَّهُ نَفْسُهُ مُوسَى، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ إذَنْ عَلَيْهِمْ.

السَّادِسُ: فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّرَادُفِ وَالتَّأْكِيدِ: أَنَّ الْمُؤَكِّدَ يُقَوِّي الْمُؤَكَّدَ، وَهُوَ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ كَقَوْلِنَا: جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ، بِخِلَافِ التَّرَادُفِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى بِمُجَرَّدِهِ، وَالتَّأْكِيدُ تَقْوِيَةُ مَدْلُولِ مَا ذُكِرَ بِلَفْظٍ آخَرَ مُسْتَقِلٍّ لِيَخْرُجَ التَّابِعُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّابِعِ قَدْ سَبَقَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015