قَالَ: فَعَطَفَ مِنْهَاجًا عَلَى شِرْعَةٍ لِأَنَّ الشِّرْعَةَ لِأَوَّلِ الشَّيْءِ وَالْمِنْهَاجَ لِعَظِيمِهِ وَمُتَّسَعِهِ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِمْ: شَرَعَ فُلَانٌ فِي كَذَا إذَا ابْتَدَأَهُ، وَأَنْهَجَ الْبَلَاءَ فِي الثَّوْبِ إذَا اتَّسَعَ فِيهِ. قَالَ أَبُو هِلَالٍ: وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَدُلَّ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ حَتَّى تَضَامَّهُ عَلَامَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِلَّا أَشْكَلَ، فَالْتَبَسَ عَلَى الْمُخَاطَبِ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَدُلَّ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظَانِ يَدُلَّانِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرًا لِلُّغَةِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ.
وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَخْتَلِفَ الْحَرَكَاتُ فِي الْكَلِمَتَيْنِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ. قَالُوا: فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ عِنْدَهُ الشَّيْءُ قِيلَ فِيهِ: " مَفْعَلُ " كَمِرْحَمٍ وَمِحْرَبٍ، وَإِذَا كَانَ قَوِيًّا عَلَى الْفِعْلِ قِيلَ: " فَعُولٌ " كَصَبُورٍ وَشَكُورٍ، فَإِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الْفِعْلُ قِيلَ: " فَعَّالٌ " كَعَلَّامٍ وَجَبَّارٍ، وَإِذَا كَانَ عَادَةً لَهُ قِيلَ: " مِفْعَالٌ " كَمِعْوَانٍ وَمِعْطَافٍ، وَمَنْ لَا يُحَقِّقُ الْمَعَانِيَ يَظُنُّ أَنَّهَا مُتَرَادِفَةٌ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: إنَّ حُرُوفَ الْجَرِّ لَا تَتَعَاقَبُ، حَتَّى قَالَ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ: فِي جَوَازِ تَعَاقُبِهَا إبْطَالُ حَقِيقَةِ اللُّغَةِ وَإِفْسَادُ الْحُكْمِ فِيهَا، لِأَنَّهَا إذَا تَعَاقَبَتْ خَرَجَتْ عَنْ حَقَائِقِهَا، وَوَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِمَعْنَى الْآخَرِ، فَأَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ لَفْظَانِ مُخْتَلِفَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْمُحَقِّقُونَ يَأْبَوْنَهُ. هَذَا كَلَامُهُ.
وَمِمَّنْ اخْتَارَ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْجُوَيْنِيُّ فِي " الْيَنَابِيعِ "، وَقَالَ: أَكْثَرُ مَا يُظَنُّ أَنَّهُ مِنْ الْمُتَرَادِفِ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ اللَّفْظَانِ مَوْضُوعَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، لَكِنَّ وَجْهَ الْخِلَافِ خَفِيٌّ.
وَالثَّالِثُ: يَقَعُ فِي اللُّغَةِ لَا فِي الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ فِي