وَقَالَ الْقَرَافِيُّ أَيْضًا: مَحِلُّهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَقُّ مَحْكُومًا بِهِ، كَقَوْلِك: زَيْدٌ مُشْرِكٌ أَوْ زَانٍ أَوْ سَارِقٌ، فَإِنْ كَانَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ كَقَوْلِك السَّارِقُ تُقْطَعُ يَدُهُ، فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا فِيمَنْ اتَّصَفَ بِهِ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ قَالَ: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَشْكَلَ الْقَطْعُ وَالْجَلْدُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَزْمِنَةَ: الْمَاضِي، وَالْحَالُ، وَالِاسْتِقْبَالُ، إنَّمَا هِيَ بِحَسَبِ زَمَنِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُشْتَقِّ، فَتَكُونُ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ وَنَظَائِرُهَا مَجَازَاتٍ بِاعْتِبَارِ مَنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فِي زَمَانِنَا، لِأَنَّهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ غَيْرُ زَمَنِ الْخِطَابِ عِنْدَ النُّزُولِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مُخَلِّصَ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ إلَّا بِمَا سَبَقَ.

قَالَ: فَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَحْكُمْ فِي تِلْكَ الْآيَاتِ بِشِرْكِ وَاحِدٍ وَلَا زِنَاهُ، وَإِنَّمَا حَكَمَ بِالْقَتْلِ وَالْجَلْدِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْمَوْصُوفُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ يَعُمُّ مُتَعَلِّقَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ. هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ، وَكَانَ يَسْتَشْكِلُ ذَلِكَ، وَكَانَ مَنْ فِي زَمَانِهِ مِنْ الْفُضَلَاءِ يَتَخَبَّطُونَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يُوَفَّقُوا لِلصَّوَابِ فِيهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مُنْدَفِعٌ بِدُونِ هَذَا فَإِنَّ الْمَجَازَ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَهُ إلَّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَّصِفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ بَعْدَ وُرُودِ هَذِهِ النُّصُوصِ يَتَنَاوَلُهُمْ، وَتَثْبُتُ تِلْكَ الْأَحْكَامُ فِيهِمْ.

وَالْحَقُّ: أَنَّ هَاهُنَا شَيْئَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إطْلَاقُ اللَّفْظِ وَإِرَادَةُ الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِزَمَانٍ، كَقَوْلِنَا: الْخَمْرُ حَرَامٌ، فَهَذَا اللَّفْظُ صَادِقٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الْخَمْرَةُ مَوْجُودَةً أَمْ لَا. وَإِطْلَاقُ الْخَمْرِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ حَقِيقَةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ غَيْرَ مَعْنَاهُ، وَالْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالتَّحْرِيمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالَةِ اتِّصَافِهِ بِالْخَمْرِيَّةِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، فَلَا مَجَازَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا: الْقَاتِلُ مَقْتُولٌ، وَنَحْوُهُ، وَمِنْهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015