قُلْت: وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ وَغَيْرِهِ الِاسْتِشْهَادُ بِشِعْرِ أَبِي تَمَّامٍ بَلْ فِي الْإِيضَاحِ " لِلْفَارِسِيِّ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ الِاسْتِشْهَادَ بِتَقْرِيرِ النَّقَلَةِ كَلَامَهُمْ وَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ قَوَانِينِ الْعَرَبِ.

وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: يُسْتَشْهَدُ بِشِعْرِ الْمُوَلَّدِينَ فِي الْمَعَانِي كَمَا يُسْتَشْهَدُ بِشِعْرِ الْعَرَبِ فِي الْأَلْفَاظِ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ النَّاقِلُ قَدْ سَمِعَ مِنْهُمْ حِسًّا، وَأَمَّا بِغَيْرِهِ فَلَا يَثْبُتُ.

وَالْخَامِسُ: أَنْ يَسْمَعَ مِنْ النَّاقِلِ حِسًّا. اهـ.

الثَّانِي: الْعَقْلُ: قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ لَا يُفِيدُ وَحْدَهُ، إذْ لَا مَجَالَ لَهُ فِي مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ.

الثَّالِثُ: الْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا كَمَا إذَا نَقَلَ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ يَدْخُلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ، وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَتَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ، فَإِنَّ الْعَقْلَ يُدْرِكُ ذَلِكَ وَأَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ لِلْعُمُومِ، وَهُوَ يُفِيدُ الْقَطْعَ إنْ كَانَتْ مُقَدِّمَاتُهُ كُلُّهَا قَطْعِيَّةً، وَالظَّنَّ إنْ كَانَ مِنْهَا شَيْءٌ ظَنِّيٌّ.

وَاعْتَرَضَ فِي الْمَحْصُولِ " بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْمُقَدَّمَتَيْنِ النَّقْلِيَّتَيْنِ عَلَى النَّتِيجَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّاقِضَةَ مَمْنُوعَةٌ عَلَى الْوَاضِعِ، وَهَذَا إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا قُلْنَا: إنَّ الْوَاضِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ.

وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْقِسْمَيْنِ قَبْلَهُ، إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّقْلِ أَنْ يَكُونَ النَّقْلُ مُسْتَقِلًّا بِالدَّلَالَةِ مِنْ غَيْرِ مَدْخَلٍ لِلْعَقْلِ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ صِدْقَ الْمُخَبِّرِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ عَقْلِيٌّ؟ وَقَدْ قَالَ سُلَيْمٌ فِي بَابِ الْمَفْهُومِ مِنْ التَّقْرِيبِ ": تَثْبُتُ اللُّغَةُ بِالْعَقْلِ، لِأَنَّ لَهُ مَدْخَلًا فِي الِاسْتِدْلَالِ بِمَخَارِجِ كَلَامِهِمْ عَلَى مَقَاصِدِهِمْ وَمَوْضُوعَاتِهِمْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015