مَوْضُوعَةً، وَلِهَذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي الْمُرَكَّبَاتِ، وَلَا فِي تَأْلِيفِهَا، وَإِنَّمَا تَكَلَّمُوا فِي وَضْعِ الْمُفْرَدَاتِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا مَوْكُولٌ إلَى الْمُتَكَلِّمِ بِهَا، وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيَّ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مَالِكٍ حَيْثُ قَالَ: إنَّ دَلَالَةَ الْكَلَامِ عَقْلِيَّةٌ لَا وَضْعِيَّةٌ، وَاحْتَجَّ لَهُ فِي كِتَابِ الْفَيْصَلِ عَلَى الْمُفَصَّلِ " بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ مِنْ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ إلَّا لَفْظَيْنِ مُفْرَدَيْنِ صَالِحَيْنِ لِإِسْنَادِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، فَإِنَّهُ لَا يُفْتَقَرُ عِنْدَ سَمَاعِهِمَا مَعَ الْإِسْنَادِ إلَى مُعَرِّفٍ لِمَعْنَى الْإِسْنَادِ بَلْ يُدْرِكُهُ ضَرُورَةً.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّ الدَّالَّ بِالْوَضْعِ لَا بُدَّ مِنْ إحْصَائِهِ وَمَنْعِ الِاسْتِئْنَافِ فِيهِ كَمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُرَكَّبَاتِ الْقَائِمَةِ مَقَامَهَا، فَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ دَالًّا بِالْوَضْعِ وَجَبَ ذَلِكَ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ إلَّا بِكَلَامٍ سَبَقَ إلَيْهِ، كَمَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُفْرَدَاتِ إلَّا مَا سَبَقَ اسْتِعْمَالُهُ، وَفِي عَدَمِ ذَلِكَ بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ دَالًّا بِالْوَضْعِ. اهـ.
وَحَكَاهُ ابْنُ إيَازٍ عَنْ شَيْخِهِ.
قَالَ: وَلَوْ كَانَ حَالُ الْجُمَلِ حَالَ الْمُفْرَدَاتِ فِي الْوَضْعِ لَكَانَ اسْتِعْمَالُ الْجُمَلِ وَفَهْمُ مَعْنَاهَا مُتَوَقِّفًا عَلَى نَقْلِهَا عَنْ الْعَرَبِ كَمَا كَانَ الْمُفْرَدَاتُ كَذَلِكَ، وَلَوَجَبَ عَلَى أَهْلِ اللُّغَةِ أَنْ يَتَتَبَّعُوا الْجُمَلَ وَيُودِعُوهَا كُتُبَهُمْ كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ بِالْمُفْرَدَاتِ، وَلِأَنَّ الْمُرَكَّبَاتِ دَلَالَتُهَا عَلَى مَعْنَاهَا التَّرْكِيبِيِّ بِالْعَقْلِ لَا بِالْوَضْعِ، فَإِنَّ مَنْ عَرَفَ مُسَمَّى " زَيْدٌ "، وَعَرَفَ مُسَمَّى " قَائِمٌ "، وَسَمِعَ " زَيْدٌ قَائِمٌ " بِإِعْرَابِهِ الْمَخْصُوصِ، فَهِمَ بِالضَّرُورَةِ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ وَهُوَ نِسْبَةُ الْقِيَامِ