وَكَذَا كَلَامُ غَيْرِهِ مِنْ الْقُرَّاءِ يُوهِمُ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةَ لَيْسَتْ مُتَوَاتِرَةً كُلُّهَا وَأَنَّ أَعْلَاهَا مَا اجْتَمَعَ فِيهِ صِحَّةُ السَّنَدِ وَمُوَافَقَةُ خَطِّ الْمُصْحَفِ وَالْإِمَامِ، وَالْفَصِيحُ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ، وَأَنَّهُ يَكْفِي فِيهَا الِاسْتِفَاضَةُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ، وَالشُّبَهُ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ انْحِصَارِ أَسَانِيدِهَا فِي رِجَالٍ مَعْرُوفِينَ، فَظَنُّوهَا كَأَخْبَارِ الْآحَادِ. وَقَدْ أَوْضَحَ الْإِمَامُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ.

فَقَالَ: انْحِصَارُ الْأَسَانِيدِ فِي طَائِفَةٍ لَا يَمْنَعُ مَجِيءَ الْقِرَاءَاتِ عَنْ غَيْرِهِمْ، فَقَدْ كَانَ يَتَلَقَّاهُ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ بِقِرَاءَةِ إمَامِهِمْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ عَنْ مِثْلِهِمْ، وَكَذَلِكَ دَائِمًا، فَالتَّوَاتُرُ حَاصِلٌ لَهُمْ، وَلَكِنَّ الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ قَصَدُوا ضَبْطَ الْحُرُوفِ، وَحَفِظُوا عَنْ شُيُوخِهِمْ مِنْهَا جَاءَ السَّنَدُ مِنْ جِهَتِهِمْ، وَهَذَا كَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ هِيَ آحَادٌ، وَلَمْ تَزَلْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ مَنْقُولَةً عَمَّنْ يَحْصُلُ بِهِمْ التَّوَاتُرُ عَنْ مِثْلِهِمْ فِي عَصْرٍ، فَهَذِهِ كَذَلِكَ، وَهَذَا يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ، وَأَنْ لَا يُغْتَرَّ بِقَوْلِ الْقُرَّاءِ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَوَاصِمِ ": وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَيْفِيَّةُ الْقِرَاءَةِ الْيَوْمَ أَنْ يُقْرَأَ بِمَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: مَا صَحَّ نَقْلُهُ، وَصَحَّ فِي الْعَرَبِيَّةِ لَفْظُهُ، وَوَافَقَ خَطَّ الْمُصْحَفِ، وَذَكَرَ خِلَافًا كَثِيرًا فِي ذَلِكَ.

قَالَ: وَإِنَّمَا أَوْجَبَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَنَّ جَمِيعَ السَّبْعِ لَمْ يَكُنْ بِإِجْمَاعٍ، وَإِنَّمَا كَانَ بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ وَاحِدٍ، وَالْمُخْتَارُ: أَنْ يَقْرَأَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى خَطِّ الْمُصْحَفِ فَكُلُّ مَا صَحَّ فِي النَّقْلِ لَا يَخْرُجُونَ عَنْهُ، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إلَى مَا سِوَاهُ.

قَالَ: وَالْمُخْتَارُ لِنَفْسِي إذَا قَرَأْت بِمَا نُسِبَتْ لقالون أَنْ لَا أَهْمِزَ وَلَا أَكْسِرَ مُنَوَّنًا وَلَا غَيْرَ مَنُونٍ، فَإِنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015