فَيُوجِبُ عِلْمَ الِاسْتِدْلَالِ، وَلَا يُوجِبُ عِلْمَ الِاضْطِرَارِ؛ لِحُدُوثِهِ عَنْ دَلِيلِ الْعَقْلِ لَا عَنْ ضَرُورَتِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي أُصُولِ النُّبُوَّاتِ عَلَى الْعُمُومِ هَلْ تُعْلَمُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ أَوْ بِدَلِيلِهِ؟ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّعَبُّدِ بِالشَّرَائِعِ. هَلْ اقْتَرَنَ بِالْعَقْلِ أَوْ يَعْقُبُهُ؟ فَذَهَبَ مَنْ جَعَلَهُ مُقْتَرِنًا بِالْعَقْلِ إلَى إثْبَاتِ عُمُومِ النُّبُوَّاتِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ وَذَهَبَ مَنْ جَعَلَهُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعَقْلِ إلَى إثْبَاتِهَا بِدَلِيلِ الْعَقْلِ.
ضَابِطٌ [الْبَاحِثُ عَنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ] . الْبَاحِثُ عَنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إمَّا فِي إثْبَاتِهِ أَوْ فِي نَفْيِهِ، فَفِي الْأَوَّلِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ مُثْبِتٍ، وَهُوَ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ، وَالْقِيَاسُ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي الثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ دَلِيلٍ، فَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشَّرْعُ بَاقٍ عَلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ عَلَى مَا تَقَرَّرَ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى سَمَّاهُ الْغَزَالِيُّ: دَلِيلًا. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِوُجُودِ دَلِيلٍ بَاقٍ، وَذَلِكَ الدَّلِيلُ إمَّا أَنْ لَا يَسْتَلْزِمَ النَّفْيَ لِمَعْقُولِيَّتِهِ، أَوْ يَسْتَلْزِمَ، وَالْأَوَّلُ: نُصُوصُ الْأَدِلَّةِ، وَالثَّانِي: هُوَ الْمَانِعُ وَفُقْدَانُ الشَّرْطِ.
فَائِدَةٌ [أَدِلَّةُ النَّفْيِ أَوْسَعُ مِنْ أَدِلَّةِ الْإِثْبَاتِ]
أَدِلَّةُ النَّفْيِ أَوْسَعُ مِنْ أَدِلَّةِ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ. وَقَدْ يَدُلُّ الشَّيْءُ عَلَى النَّفْيِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ أَصْلًا كَالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: لَا دَلِيلَ عَلَى النَّافِي.