تَرَكْتَ الْأَمْرَيْنِ عَاقَبْتُكَ، وَاحْتَجُّوا بِالنِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ النِّيَابَةِ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ إذَا كَانَ بَدَنِيًّا مَحْضًا، بَلْ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَا هُوَ بَدَنِيٌّ وَمَالِيٌّ مَعًا كَالْحَجِّ، وَلَعَلَّ الْخَصْمَ يُجَوِّزُ ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَيْهِ كَذَا قَالَ الْهِنْدِيُّ لَكِنَّ الْخِلَافَ مَوْجُودٌ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمُبَاشِرِ، وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ، لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تُجْزِئُ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ إلَّا أَنَّ فِي الْحَجِّ شَائِبَةً مَالِيَّةً مِنْ جِهَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ. فَمِنْ جِهَةِ الْمُبَاشَرَةِ تَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ، وَمِنْ جِهَةِ الْإِنْفَاقِ تَقَعُ عَنْ الْآمِرِ. لَكِنَّ الْمُرَجَّحَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ عَمَلًا بِظَوَاهِر الْأَحَادِيثِ.

وَاحْتَجَّ الْمَانِعُ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ إيجَابِ الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ امْتِحَانُ الْمُكَلَّفِ، وَالنِّيَابَةُ تُخِلُّ بِذَلِكَ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يُخِلُّ بِهِ مُطْلَقًا فَإِنَّ فِي النِّيَابَةِ امْتِحَانًا أَيْضًا.

وَزَادَهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَحْقِيقًا، فَقَالَ: الْأَفْعَالُ الْمُسْتَنِدَةُ إلَى الْفَاعِلِينَ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ شَرْعِيَّةً أَوْ لُغَوِيَّةً، فَإِنْ كَانَتْ شَرْعِيَّةً فَلَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ عِبَادَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَغَيْرُ الْعِبَادَةِ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ يُنْظَرَ فِيهَا إلَى جِهَةِ الْفَاعِلِيَّةِ أَوْ إلَى جِهَةِ الْفِعْلِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْفَاعِلِ. فَمِنْ الْأَوَّلِ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» فَأَنَاطَ الشَّارِعُ ذَلِكَ بِالْفَاعِلِ، فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِهِ، فَتَكُونُ عُهْدَةُ الْفِعْلِ مُتَعَلِّقَةً بِهِ وَلَوْ وَكِيلًا.

وَمِنْ الثَّانِي: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ» فَقَصَدَ الشَّارِعُ تَحْصِيلَ الْفِعْلِ، وَاجْتَمَعَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015