وَأَمَّا الصِّحَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ فَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقَالَ الْفُقَهَاءُ: هِيَ وُقُوعُ الْفِعْلِ كَافِيًا فِي سُقُوطِ الْقَضَاءِ، كَالصَّلَاةِ إذَا وَقَعَتْ بِجَمِيعِ وَاجِبَاتِهَا مَعَ انْتِفَاءِ مَوَانِعِهَا، فَكَوْنُهَا لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا هُوَ صِحَّتُهَا.
وَقَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ: هِيَ مُوَافَقَةُ أَمْرِ الشَّارِعِ فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ فِي التَّلْخِيصِ " فَكُلُّ مَنْ أُمِرَ بِعِبَادَةٍ تُوَافِقُ الْأَمْرَ بِفِعْلِهَا كَانَ قَدْ أَتَى بِهَا صَحِيحَةً وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا أَوْ وُجِدَ مَانِعٌ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ، لِأَنَّ كُلَّ صِحَّةٍ هِيَ مُوَافِقَةٌ لِلْأَمْرِ، وَلَيْسَ كُلُّ مُوَافَقَةِ الْأَمْرِ صِحَّةً عِنْدَهُمْ. وَاصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ أَنْسَبُ، فَإِنَّ الْآنِيَةَ مَتَى كَانَتْ صَحِيحَةً مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ إلَّا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ فَهِيَ مَكْسُورَةٌ لُغَةً وَلَا تَكُونُ صَحِيحَةً حَيْثُ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا الْخَلَلُ مِنْ جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا الْخَلَلُ مِنْ جِهَةِ ذِكْرِ الْحَدَثِ، فَلَا تَكُونُ صَحِيحَةً بَلْ الْمُسْتَجْمِعُ لِشُرُوطِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هُوَ الصَّحِيحُ. وَبَنَوْا عَلَى الْخِلَافِ صَلَاةَ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ حَدَثُهُ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ دُونَ الْفُقَهَاءِ.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَفِي هَذَا الْبِنَاءِ نَظَرٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ إنَّمَا وَافَقَتْ الْأَمْرَ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الظَّنِّ الَّذِي تَبَيَّنَ فَسَادُهُ، وَلَيْسَتْ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي تَوَجَّهَ التَّكْلِيفُ بِهِ ابْتِدَاءً، فَعَلَى هَذَا نَسْتَفْسِرُ، وَنَقُولُ: إنْ أَرَدْتُمْ