مَعْرِفَةٌ لِلْحُكْمِ فَحَقٌّ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَإِنْ أَرَادُوا تَأْثِيرَ الزِّنَا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ فَبَاطِلٌ، لِأَنَّ الزِّنَا حَالَ حُصُولِهِ سَبَبٌ إنْ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ الشَّارِعِ شَيْءٌ فَلَيْسَ لِهَذِهِ السَّبَبِيَّةِ مَعْنًى، فَإِنْ صَدَرَ فَالصَّادِرُ إمَّا الْحُكْمُ أَوْ شَيْءٌ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ أَوْ غَيْرُهُمَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْمُؤَثِّرُ هُوَ الشَّارِعُ، وَالثَّانِي هُوَ الْقَوْلُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَالثَّالِثُ اعْتِرَافٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، لَا يُقَالُ: فَقَدْ أَجْرَوْا الْقِيَاسَ فِي الْأَسْبَابِ، فَقَالُوا: نَصْبُ الزِّنَا عِلَّةُ الرَّجْمِ، وَاللِّوَاطُ فِي مَعْنَاهُ، لِأَنَّا نَقُولُ: نَمْنَعُهُ كَالْحَنَفِيَّةِ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَلَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا، فَقَدْ أَجْرَوْا الْقِيَاسَ فِي اللُّغَاتِ وَلَيْسَ ذَلِكَ حُكْمًا شَرْعِيًّا.
[السَّبَبُ]
الْأَوَّلُ: تَعْرِيفُ السَّبَبِ وَأَقْسَامُهُ وَهُوَ لُغَةً: عِبَارَةٌ عَمَّا يَحْصُلُ الْحُكْمُ عِنْدَهُ لَا بِهِ؛ أَيْ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فِي الْوُجُودِ بَلْ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ، فَالْحَبْلُ مَثَلًا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ، وَلَيْسَ الْمُؤَثِّرَ فِي الْإِخْرَاجِ، وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ حَرَكَةُ الْمُسْتَقِي لِلْمَاءِ. وَفِي الشَّرْعِ: قَالَ الْأَكْثَرُونَ: هُوَ الْوَصْفُ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ الَّذِي دَلَّ السَّمْعُ عَلَى كَوْنِهِ مُعَرِّفًا لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، كَجَعْلِ دُلُوكِ الشَّمْسِ مُعَرِّفًا لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَقِيلَ: هُوَ الْمُوجِبُ لَا لِذَاتِهِ، وَلَكِنْ بِجَعْلِ الشَّارِعِ إيَّاهُ مُوجِبًا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ، وَحَاوَلَ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ تَزْيِيفَهُ.