عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، فَالْحِلُّ عِنْدَهُ مَقْطُوعٌ بِهِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ. قَالَ الْإِبْيَارِيُّ فِي " شَرْحِ الْبُرْهَانِ ": وَلَيْسَ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ مَسْأَلَةٌ أَصْعَبُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْكَرَاهَةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ، فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلَيْنِ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلَانِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِمَا كَانَ الْمَصِيرُ إلَى الْكَرَاهَةِ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ، ثُمَّ الَّذِي يَتَأَتَّى فِي هَذَا التَّوَقُّفُ عَنْ الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْحِلُّ لِاحْتِمَالِ التَّحْرِيمِ. أَمَّا حَمْلُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ أَوْ الْفَتْوَى بِالْكَرَاهَةِ فَلَا وَجْهَ لَهُ عِنْدِي. تَنْبِيهٌ إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ هَلْ هُوَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ أَوْ حَقِيقَةٌ فِي التَّنْزِيهِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ؟ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا. حَكَاهُمَا ابْنُ سُرَاقَةَ فِي كِتَابِهِ بِالنِّسْبَةِ لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَالتَّحْرِيمِ.
وَقَدْ تَكُونُ الْكَرَاهَةُ شَرْعِيَّةً لِتَعْلِيقِ الثَّوَابِ عَلَيْهَا، وَقَدْ تَكُونُ إرْشَادِيَّةً أَيْ لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ، وَمِنْهُ «كَرَاهَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْلَ التَّمْرِ لِصُهَيْبٍ وَهُوَ أَرْمَدُ» ، وَمِنْهُ كَرَاهَةُ الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ عَلَى رَأْيٍ، وَالنَّظَرِ فِي الْفَرْجِ.