الْمُكَلَّفُ ذَلِكَ تَعَبُّدًا أَوْ تَرَكَهُ تَعَبُّدًا، فَأَمَّا إذَا فَعَلَهُ لَا بِقَصْدِ التَّعَبُّدِ بَلْ لِغَرَضٍ آخَرَ، أَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ لِغَرَضٍ آخَرَ غَيْرِ التَّعَبُّدِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عِبَادَةً مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} [الروم: 38] وَأَمَّا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ فَإِنَّمَا صَحَّتْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهَا التَّرْكُ فَصَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّعَبُّدَ؛ لِأَنَّهُ عَدَمُ الْفِعْلِ، وَلَكِنْ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ الْإِزَالَةَ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِأَجْلِ النَّهْيِ عَنْهُ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ عِبَادَةً. وَأَمَّا الْقُرْبَةُ فَقَالَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيِّ: مَا كَانَ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ رَجَاءَ الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي " الْأَسْرَارِ " قَالَ: وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الدُّيُونِ وَرَدُّ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا، وَمِنْ سَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ النَّفْعُ لِلْآدَمِيِّ.
َ] قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي " الْأَمَالِي ": قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا يَعْدِلُ شَيْءٌ مِنْ السُّنَنِ وَاجِبًا أَبَدًا وَهُوَ مُشْكِلٌ، لِأَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ مُرَتَّبَانِ عَلَى حَسَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ، وَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ: ثَمَنُ دِرْهَمٍ مِنْ الزَّكَاةِ تَرْبُو مَصْلَحَتُهُ عَلَى مَصْلَحَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ تَطَوُّعًا، وَأَنَّ قِيَامَ الدَّهْرِ لَا يَعْدِلُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، هَذَا خِلَافُ الْقَوَاعِدِ. اهـ. وَفِيهِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ إشْكَالَهُ هَذَا يَرْجِعُ بِالْإِشْكَالِ عَلَى مَنْعِهِ السَّابِقِ، كَمَزِيَّةِ الْقَائِمِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ عَلَى فَرْضِ الْعَيْنِ، لِتَوَفُّرِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ مُتَقَابِلَةً لِمَصْلَحَةٍ