جُمْلَتِهَا مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ، وَوَحْدَانِيِّتِهِ، وَتَقْدِيسِهِ، وَسَائِرِ صِفَاتِهِ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ أَنْبِيَائِهِ، وَرُسُلِهِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، وَمِنْهَا عِلْمُ الْأَحْوَالِ، وَالْأَخْلَاقِ، وَالْآدَابِ، وَالْقِيَامُ بِحَقِّ الْعُبُودِيَّةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. قُلْت: وَلِهَذَا صَنَّفَ أَبُو حَنِيفَةَ كِتَابًا فِي أُصُولِ الدِّينِ وَسَمَّاهُ " الْفِقْهَ الْأَكْبَرَ ".
تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ تَعْرِيفِهِمْ الْفِقْهَ بِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ: أَنَّ الْمَسَائِلَ الْمُدَوَّنَةَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لَيْسَتْ بِفِقْهٍ اصْطِلَاحًا، وَأَنَّ حَافِظَهَا لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الْعَبْدَرِيُّ فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ مِنْ شَرْحِ " الْمُسْتَصْفَى ". قَالَ: وَإِنَّمَا هِيَ نَتَائِجُ الْفِقْهِ، وَالْعَارِفُ بِهَا فُرُوعِيٌّ، وَإِنَّمَا الْفَقِيهُ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الَّذِي يُنْتِجُ تِلْكَ الْفُرُوعَ عَنْ أَدِلَّةٍ صَحِيحَةٍ، فَيَتَلَقَّاهَا مِنْهُ الْفُرُوعِيُّ تَقْلِيدًا وَيُدَوِّنُهَا وَيَحْفَظُهَا. وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: هُمْ نَقَلَةُ فِقْهٍ لَا فُقَهَاءُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ ": الْفَقِيهُ مَنْ لَهُ الْفِقْهُ، فَكُلُّ مَنْ لَهُ الْفِقْهُ فَقِيهٌ، وَمَنْ لَا فِقْهَ لَهُ فَلَيْسَ بِفَقِيهٍ. قَالَ: وَالْفَقِيهُ هُوَ الْعَالِمُ بِأَحْكَامِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ الَّتِي يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ الْفَقِيهُ فِي مَسْأَلَةٍ لَمْ يَسْمَعْهَا كَكَلَامِهِ فِي مَسْأَلَةٍ سَمِعَهَا: فَلَيْسَ بِفَقِيهٍ: حَكَاه عَنْهُ ابْنُ الْهَمْدَانِيُّ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَفِيَّةِ ".