وَتِسْعِينَ. قَالَ: فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَئُولُ بِهِ إلَى هَذَا الِانْحِلَالِ الْمَحْضِ فَرُجُوعُهُ حِينَئِذٍ فِي الرُّخْصَةِ إلَى مُسْتَنَدٍ وَتَقْلِيدُ الْإِمَامِ أَوْلَى مِنْ رُجُوعِهِ إلَى الْحَرَامِ الْمَحْضِ. قُلْت: فَلَا يَنْبَغِي حِينَئِذٍ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا لِكُلِّ أَحَدٍ، بَلْ يَرْجِعُ النَّظَرُ إلَى حَالِ الْمُسْتَفْتِي وَقَصْدِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: فِي الْحِكَايَاتِ الْمُسْنَدَةِ إلَى وَلَدِ ابْنِ الْقَاسِمِ حَنِثَ فِي يَمِينٍ حَلَفَ فِيهَا بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَاسْتَفْتَى أَبَاهُ، فَقَالَ لَهُ: أُفْتِيك فِيهَا بِمَذْهَبِ اللَّيْثِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَإِنْ عُدْت أَفْتَيْتُك بِمَذْهَبِ مَالِكٍ. يَعْنِي بِالْوَفَاءِ، قَالَ: وَمَحْمَلُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ نَقَلَ لَهُ مَذْهَبَ اللَّيْثِ لَا أَنَّهُ أَفْتَاهُ بِهِ، وَحَمَلَهُ عَلَيْهِ عِلْمُهُ بِمَشَقَّةِ الْمَشْيِ عَلَى الْحَالِفِ أَوْ خَشْيَةُ ارْتِكَابِ مَفْسَدَةٍ أُخْرَى، فَخَلَّصَهُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ هَدَّدَهُ بِمَا يَقْتَضِي تَحَرُّزَهُ مِنْ الْعَادَةِ. قُلْت: وَرُبَّمَا كَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَرَى التَّخْيِيرَ فَلَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً، وَأَمَّا بِالتَّشَهِّي فَلَا. قَالَ: وَكَانَتْ هَذِهِ الْوَقَائِعُ تُتَّفَقُ نَوَادِرَ، وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ سَاءَتْ الْقُصُودُ وَالظُّنُونُ وَكَثُرَ الْفُجُورُ وَتَغَيَّرَ إلَى فُتُونٍ، فَلَيْسَ إلَّا إلْجَامُ الْعَوَامّ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الرُّخَصِ أَلْبَتَّةَ. .
مَسْأَلَةٌ فَلَوْ اخْتَارَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ مَا هُوَ الْأَهْوَنُ عَلَيْهِ، فَفِي تَفْسِيقِهِ وَجْهَانِ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: يُفَسَّقُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا، حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ فِي فَتَاوِيهِ ".