وَقَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ: حَدُّهُ فِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِقَادِ عِلْمِ الْفُرُوعِ فِي الشَّرْعِ، وَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ فِي صِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: فَقِيهٌ. قَالَ: وَحَقِيقَةُ الْفِقْهِ عِنْدِي: الِاسْتِنْبَاطُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] . وَاخْتِيَارُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ " أَنَّهُ اسْتِنْبَاطُ حُكْمِ الْمُشْكِلِ مِنْ الْوَاضِحِ. قَالَ: وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ» أَيْ: غَيْرُ مُسْتَنْبِطٍ وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَحْمِلُ الرِّوَايَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْتِدْلَالٌ وَاسْتِنْبَاطٌ فِيهَا. وَقَالَ فِي دِيبَاجَةِ كِتَابِهِ: وَمَا أُشَبِّهُ الْفَقِيهَ إلَّا بِغَوَّاصٍ فِي بَحْرِ دُرٍّ كُلَّمَا غَاصَ فِي بَحْرِ فِطْنَتِهِ اسْتَخْرَجَ دُرًّا، وَغَيْرُهُ مُسْتَخْرِجٌ آجُرًّا. وَمِنْ الْمَحَاسِنِ قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ: الْفِقْهُ مَعْرِفَةُ النَّفْسِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا. قِيلَ: وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] . وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ " فِي بَيَانِ تَبْدِيلِ أَسَامِي الْعُلُومِ: إنَّ النَّاسَ تَصَرَّفُوا فِي اسْمِ الْفِقْهِ، فَخَصُّوهُ بِعِلْمِ الْفَتَاوَى وَالْوُقُوفِ عَلَى وَقَائِعِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ اسْمٌ لِمَعْرِفَةِ دَقَائِقِ آفَاتِ النُّفُوسِ، وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الْآخِرَةِ وَحَقَارَةِ الدُّنْيَا. قَالَ تَعَالَى: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا} [التوبة: 122]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015