قَبْلَ الشَّافِعِيِّ بِهِ تَصْرِيحًا وَهُوَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ ابْتَكَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَذَكَرَهَا فِي كُتُبِهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ مُخَالِفِيهِ وَنَسَبُوهُ إلَى الْخَطَأِ وَقَالُوا: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى نُقْصَانِ الْآلَةِ، وَقِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ، فَقَالُوا: وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَذَلِكَ فِي حَالَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، وَالْمُجْتَهِدُ قَدْ يَجْتَهِدُ فِي مُجْتَهَدٍ فِي وَقْتٍ فَيُؤَدِّي اجْتِهَادُهُ إلَى شَيْءٍ، ثُمَّ يَجْتَهِدُ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَيُؤَدِّي إلَى خِلَافِهِ، إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ يَكُونُ عَنْ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا الْمُسْتَنْكَرُ اعْتِقَادُهُ قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَذَا طَعْنُ الْمُخَالِفِينَ فِي الْقَوْلَيْنِ، قَالَ: وَقَدْ صَنَّفَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ تَصْنِيفًا، وَرَأَيْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ الْمُلَقَّبِ بِجُعَلٍ فِي هَذَا كِتَابًا مُفْرَدًا صَنَّفَهُ لِلْمَعْرُوفِ بِالصَّاحِبِ، وَهُوَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبَّادٍ، أَيْ فِي إنْكَارِ ذَلِكَ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَقَدْ قَسَّمَ أَصْحَابُنَا الْقَوْلَيْنِ تَقْسِيمًا بَيَّنُوا فِيهِ فَسَادَ هَذَا الِاعْتِرَاضِ، وَأَنَّ الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ هُوَ مَوْضِعَ الْإِنْكَارِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيِّ الْآتِيَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ: (أَحَدِهِمَا) : مَا طُعِنَ بِهِ عَلَى الشَّافِعِيِّ (وَالثَّانِي) : فِي كَيْفِيَّةِ إضَافَتِهِمَا إلَيْهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَا عَيْبَ فِيهِ، بَلْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ قَرِيحَتِهِ، وَتَبَحُّرِهِ فِي الشَّرِيعَةِ، مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى النَّظَرِ فِي الْمَأْخَذِ، وَمَعْرِفَةِ أُصُولِ الْحَوَادِثِ، وَتَعْلِيمِهِمْ طُرُقَ الِاسْتِنْبَاطِ، وَقَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ: أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ الْقَوْلَيْنِ، وَقَالُوا: إنَّمَا يَسُوغُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَأَمَّا