الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ قَطْعًا وَخَصَّ الْقَدِيمَ بِمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مُخَالِفٌ، فَإِنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْقَدِيمِ.
وَفِي كِتَابِ الرَّضَاعِ، فِي الْكَلَامِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَدَدِ، حِكَايَةٌ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ تَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ الشَّيْخَيْنِ بِخُصُوصِهِمَا حُجَّةٌ، فَإِنَّهُ حَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ سَأَلَنِي عَنْ شَيْءٍ أَجَبْتُهُ مِنْ الْقُرْآنِ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ مُحْرِمٍ قَتَلَ زُنْبُورًا. فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَيْنَ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ فَذَكَرَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» وَقَدْ سُئِلَ عُمَرُ عَنْ مُحْرِمٍ قَتَلَ زُنْبُورًا فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَزِمَ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ قَوْلُ كُلٍّ مِنْ الشَّيْخَيْنِ عِنْدَهُ حُجَّةٌ. وَمَذْهَبُهُ الْجَدِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. انْتَهَى. وَقَالَ السِّنْجِيُّ فِي أَوَّلِ شَرْحِ التَّلْخِيصِ ": قَوْلُ الْوَاحِدِ مِنْ الصَّحَابَةِ إذَا انْتَشَرَ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ وَانْقَرَضَ الْعَصْرُ عَلَيْهِ كَانَ عِنْدَنَا حُجَّةٌ مَقْطُوعًا بِصِحَّتِهَا. وَهَلْ يُسَمَّى إجْمَاعًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَقِيلَ: لَا، لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إجْمَاعٌ مَقْطُوعٌ عَلَى اللَّهِ بِصِحَّتِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ كَافَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إلَّا الْجُعَلُ وَمَنْ تَابَعَهُ فَقَالُوا: لَا يَكُون حُجَّةً. قَالَ: فَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْتَشِرْ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ: الْقَدِيمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ، وَالْجَدِيدُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَوْلَى مِنْهُ