قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: السُّؤَالُ إمَّا اسْتِفْهَامٌ مُجَرَّدٌ وَهُوَ الِاسْتِخْبَارُ عَنْ الْمَذْهَبِ أَوْ الْعِلَّةِ، وَإِمَّا اسْتِفْهَامٌ عَنْ الدَّلَالَةِ، أَيْ الْتِمَاسُ وَجْهِ دَلَالَةِ الْبُرْهَانِ ثُمَّ الْمُطَالَبَةُ بِنُفُوذِ الدَّلِيلِ وَجَرَيَانِهِ. وَسَبِيلُ الْجَوَابِ: هَكَذَا أَخْتَارُ: مُجَرَّدٌ، ثُمَّ الِاعْتِلَالُ، ثُمَّ طَرْدُ الدَّلِيلِ. ثُمَّ السَّائِلُ فِي الِابْتِدَاءِ إمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَذْهَبِ مَنْ يَسْأَلُهُ أَوْ يَكُونَ عَالِمًا بِهِ. ثُمَّ إمَّا أَنْ لَا يَعْلَمَ صِحَّتَهُ فَسُؤَالُهُ لَا مَعْنَى لَهُ. وَإِمَّا أَنْ يَعْلَمَ فَسُؤَالُهُ رَاجِعٌ إلَى الدَّلِيلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْأَصْلَ الَّذِي يَسْتَشْهِدُ بِهِ الْمُجِيبُ فَسُؤَالُهُ عَنْهُ أَوْلَى، لِأَنَّ الَّذِي أَحْوَجَهُ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافُ، فَإِذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي الشَّاهِدِ فَالسُّؤَالُ عَنْهُ أَوْلَى.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَيَنْبَغِي لِلسَّائِلِ أَنْ لَا يَسْأَلَ الْمُنَاظَرَةَ إلَّا بَعْدَ فَهْمِ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ. وَكَذَا لَا يَنْبَغِي لِلْمُجِيبِ أَنْ يُجِيبَ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يَعْلَمَهُ، وَبِسَبَبِ هَذَا يَقَعُ الْخَبْطُ فِي الْمُنَاظَرَاتِ. وَلَيْسَ لِلْمُجِيبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى السَّائِلِ بِالْجَوَابِ قَبْلَ أَنْ يُجِيبَ هُوَ أَوْ يَعْتَرِفَ بِالْعَجْزِ عَنْهُ أَوْ يُضْرِبَ عَنْهُ. فَإِنْ سَأَلَ السَّائِلُ الْجَوَابَ أَجَابَ. فَإِنْ قِيلَ لَهُ: هَذَا يَلْزَمُك فِي مَذْهَبِك كَمَا سَأَلْت، فَإِنَّ هَذَا رُبَّمَا فُعِلَ لِلْحِيلَةِ، فَالْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ السَّائِلُ: عَنْ حُجَّتِك لِنَفْسِك ثُمَّ إنْ شِئْت فَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ سَائِلًا، فَإِمَّا أَنْ تُجِيبَ أَوْ تَعْتَرِفَ بِأَنْ لَا جَوَابَ. ثُمَّ تَقْبَلُ سُؤَالَهُ إنْ شِئْت. وَإِنْ كَانَ إذَا سُئِلْت عَنْ شَيْءٍ يَرْجِعُ عَلَى خَصْمِك فَقُلْ: إنَّمَا أُجِيبُك عَنْ هَذَا بِشَرْطِ أَنْ تَصْبِرَ لِقَلْبِنَا عَلَيْك السُّؤَالَ، فَإِنَّ سُؤَالَك رَاجِعٌ عَلَيْك فَهُوَ كَمَا تَسْأَلُ عَنْ نَفْسِك. وَلَا يَتْرُكُ الْجَوَابَ عَمَّا يُسْأَلَ وَيَرْجِعُ سَائِلًا إلَّا أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إمَّا جَاهِلٌ