قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: يَصْلُحُ لِمُثْبِتِي الْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي دَلِيلُهَا مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنِّي أُخَالِفُك فِي الْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ، قِيلَ لَهُ: إنْ أَنْتَ خَالَفْتنِي فِيهِمَا فَوَجْهُ دَلَالَتِي مِنْهُ كَذَا، فَإِنْ خَالَفْتنِي فِيهِ بَيِّنَتُهُ عَلَيْك، وَإِنْ سَلَّمْتَهُ فَحُجَّتِي بَيِّنَةٌ، وَلَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أَدُلَّك عَلَى الْأَوَاخِرِ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ الْوَسَائِطِ. فَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ أَوْ يَشُكَّ فِي الْأَصْلِ، فَهَذَا مَوْضِعُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الدَّلِيلِ بِالدَّلِيلِ، إذْ قَدْ كَانَ الدَّلِيلُ يُسَوَّغُ فِيهِ الْخِلَافُ. وَهَذَا يُفَسِّرُ قَوْلَ بَعْضِ الْجَدَلِيِّينَ إنَّهُ إذَا سُئِلَ عَنْ الدَّلِيلِ قَالَ: الدَّلِيلُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّلِيلِ. وَلَوْ سَاغَ ذَلِكَ لَأَدَّى إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ. فَيُقَالُ لَهُ: لَا نُسَلِّمُ صَيْرُورَتَهُ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، لِأَنَّ الْأَسْئِلَةَ مُنْحَصِرَةٌ وَشَوَاهِدُ الْعَقْلِ تَمْنَعُهُ. وَلِهَذَا لَمَّا زَعَمَ الْكُفَّارُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْبَشَرِ وَأَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ رَدَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إلَى مَا فِي عُقُولِهِمْ، أَيْ: أَيُّهَا الْبُلَغَاءُ الْفُصَحَاءُ إنْ كَانَ كَمَا تَقُولُونَ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فَإِذَا عَجَزْتُمْ مَعَ مَا اجْتَمَعَ فِيكُمْ مِنْ الصِّفَةِ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ الْأُمِّيِّ الَّذِي نَشَأَ بَيْنَكُمْ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْزِمَ خَصْمَهُ مَا لَا يَقُولُ بِهِ إلَّا النَّقْضَ، فَأَمَّا غَيْرُهُ، كَدَلِيلِ الْخِطَابِ أَوْ الْقِيَاسِ أَوْ الْمُرْسَلِ وَنَحْوِهِ، فَلِأَنَّهُ اسْتِشْهَادُ الْخُصُومِ عَلَى صَوَابِ مَذْهَبِهِمْ بِخَطَأِ غَيْرِهِمْ.
قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ الْحُذَّاقِ يُسَمُّونَ هَذَا الِاعْتِلَالَ حَدًّا، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: قُلْت كَذَا وَلَمْ أَقُلْ كَذَا كَمَا قُلْت، وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عِنْدَ الْمُخَالِفِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى صَوَابِ قَوْلِهِ فِي تَرْكِ مَا تَرَكَهُ وَاخْتِيَارِ