وَالتَّقْدِيرُ، فَكَأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ اقْتَطَعَ تِلْكَ الصُّورَةَ عَنْ أَخَوَاتِهَا فَأَجَابَ عَنْهَا. وَهُوَ إمَّا فَرْضٌ فِي الْفَتْوَى، كَمَا لَوْ سُئِلَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، هَلْ يَنْعَقِدُ أَمْ لَا؟ فَيَقُولُ: لَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، لِوُرُودِ النَّهْيِ، فَإِنَّ بَيْعَ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ مِنْ صُوَرِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا عَيْنِهِ. وَإِمَّا فَرْضٌ فِي الدَّلِيلِ بِأَنْ يَبْنِيَ عَامًّا وَيَدُلَّ خَاصًّا، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ» . وَالضَّابِطُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَدِلُّ يُسَاعِدُهُ الدَّلِيلُ عَلَيْهَا، فَإِذَا تَمَّ لَهُ فِيهَا الدَّلِيلُ بَنَى الْبَاقِيَ مِنْ الصُّوَرِ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ يُسَمَّى الْفَرْضُ وَالْبِنَاءُ. وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِهِ: فَذَهَبَ ابْنُ فُورَكٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ حَقَّ الْجَوَابِ أَنْ يُطَابِقَ السُّؤَالَ. وَذَهَبَ غَيْرُهُ مِنْ الْجَدَلِيِّينَ إلَى الْجَوَازِ، لِأَنَّ الْمَسْئُولَ قَدْ لَا يَجِدُ دَلِيلًا إلَّا عَلَى بَعْضِ صُوَرِ السُّؤَالِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَرِدُ عَلَى جَوَابِهِ الْعَامِّ إشْكَالٌ لَا يَنْدَفِعُ، فَيَتَخَلَّصُ مِنْهُ بِالْفَرْضِ الْخَاصِّ.

وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ عِلَّةُ الْفَرْضِ شَامِلَةً لِسَائِرِ الْأَطْرَافِ. (قَالَ) : وَالْمُسْتَحْسَنُ مِنْهُ هُوَ الْوَاقِعُ فِي طَرَفٍ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ عُمُومُ سُؤَالِ السَّائِلِ، وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى اسْتِشْعَارِ انْتِشَارِ الْكَلَامِ فِي جَمِيعِ الْأَطْرَافِ وَعَدَمِ وَفَاءِ مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بِاسْتِتْمَامِ الْكَلَامِ فِيهَا. وَحَاصِلُهُ: إنْ ظَهَرَ انْتِظَامُ الْعِلَّةِ الْعَامَّةِ فِي الصُّورَتَيْنِ كَانَ مُسْتَحْسَنًا وَإِلَّا كَانَ مُسْتَهْجَنًا. وَفَائِدَتُهُ كَوْنُ الْعِلَّةِ قَدْ تَخْفَى فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَفِي بَعْضِهَا أَظْهَرُ. فَالتَّفَاوُتُ بِالْأَوْلَوِيَّةِ خَاصَّةً وَالْعِلَّةُ وَاحِدَةٌ. وَهَذَا بِمَثَابَةِ تَوَجُّهِ النَّهْيِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015