قُلْت: وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْنُوا بِهِ الْأَوَّلَ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ لَا يُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى النَّظَرِ الْمَحْضِ.
قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَمَنْ قَالَ بِجَرَيَانِ الْقِيَاسِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ جَمَعَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ:
أَحَدُهَا: الْعِلَّةُ كَقَوْلِنَا: الْعَالَمِيَّةُ فِي الشَّاهِدِ حَاصِلَةٌ اتِّفَاقًا فَكَذَا فِي الْغَائِبِ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْلِيمِ بِالشَّاهِدِ إنَّمَا كَانَ لِلْعَالَمِيَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ بِهِ لِلْعِلْمِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْغَائِبِ. فَيَكُونُ لَهُ الْعِلْمُ وَهَذَا جَمْعٌ بِالْعِلَّةِ.
ثَانِيهَا: الْجَمْعُ بِالدَّلِيلِ. قَالُوا: الْإِتْقَانُ فِي الشَّاهِدِ دَلِيلُ الْعِلْمِ. وَأَفْعَالُ اللَّهِ مُتْقَنَةٌ فَيَكُونُ عَالِمًا لِوُجُودِ دَلِيلِ الْعِلْمِ.
ثَالِثُهَا: الْجَمْعُ بِالشَّرْطِ كَقَوْلِنَا الْعِلْمُ مِنْ الشَّاهِدِ شَرْطُهُ الْحَيَاةُ وَاَللَّهُ عَالِمٌ فَيَكُونُ حَيًّا.
رَابِعُهَا: الْجَمْعُ بِالْإِطْلَاقِ الْحَقِيقِيِّ كَقَوْلِنَا: الْمُرِيدُ مَنْ قَامَتْ بِهِ الْإِرَادَةُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ تُفِيدُ الْعِلْمَ وَالْمَطْلُوبُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إنَّمَا هُوَ الْعِلْمُ.
فِي جَرَيَانِ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَاتِ وَجْهَانِ، وَقَدْ سَبَقَتْ فِي مَبَاحِثِ اللُّغَاتِ بِتَحْرِيرِهَا وَنُقُولِهَا، وَاَلَّذِي نَذْكُرُهُ هَاهُنَا أَنَّهُ لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةَ التَّعْلِيلِ بِالِاسْمِ، بَلْ تِلْكَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُنَاطُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِاسْمٍ؟ وَهَذِهِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُسَمَّى شَيْءٌ بِاسْمِ شَيْءٍ آخَرَ لُغَةً لِجَامِعٍ؟ وَالْقِيَاسُ الشَّرْعِيُّ إلْحَاقُ فَرْعٍ بِأَصْلٍ فِي حُكْمِهِ.