هَلْ يُزِيلُ الْحُكْمَ السَّابِقَ أَمْ لَا؟ قَالَ إلْكِيَا: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُلَاحَظُ فِي مَجَارِيهَا أَصْلُ تَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ. قُلْت: وَطَرِيقَةٌ رَابِعَةٌ لَهُمْ فِي الْإِحَالَةِ وَهِيَ عَلَيْهِمْ، فَقَوْلُهُ هُنَا: إذَا وُجِدَ إجْمَاعٌ بَعْدَ اخْتِلَافٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خِلَافٌ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْنَا، وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى تَعَارُضِ الْإِجْمَاعَيْنِ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ. الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: فِي حُدُوثِ الْخِلَافِ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِجْمَاعِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ ": فَإِنْ كَانَ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ، مِثْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ يَحْدُثُ مِنْ أَحَدِهِمْ خِلَافٌ، فَهَذَا الْخِلَافُ الْحَادِثُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ، يَعْنِي إنْ شَرَطْنَا انْعِقَادَ الْعَصْرِ، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ كَانَ فِي عَصْرَيْنِ، كَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَخِلَافِ التَّابِعِينَ لَهُمْ، فَهُوَ ضَرْبَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخَالِفُوهُمْ مَعَ اتِّفَاقِ الْأُصُولِ فِي الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، فَهَذَا الْخِلَافُ الْحَادِثُ مَطْرُوحٌ، وَالْإِجْمَاعُ الْأَوَّلُ مُنْعَقِدٌ. ثَانِيهِمَا: أَنْ يَحْدُثَ فِي الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ صِفَةٌ زَائِدَةٌ أَوْ نَاقِصَةٌ، فَيَحْدُثُ الْخِلَافُ فِيهَا لِحُدُوثِ تِلْكَ الصِّفَةِ، فَيَكُونُ الْإِجْمَاعُ فِي الصِّفَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ مُنْعَقِدًا، وَحُدُوثُ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ سَائِغٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ دَاوُد وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ: يُسْتَصْحَبُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ، وَاخْتِلَافُ الصِّفَةِ الْحَادِثَةِ لَا يُنْتِجُ الْحُكْمُ فِيهَا إلَّا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ، وَجَعَلُوا اسْتِصْحَابَ الْحَالِ حُجَّةً فِي الْأَحْكَامِ.
مِثَالُهُ: أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى إبْطَالِ التَّيَمُّمِ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَإِذَا رَأَى الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ أَبْطَلُوا تَيَمُّمَهُ اسْتِصْحَابًا لِبُطْلَانِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَهُمَا بِقِيَاسٍ، وَهَذَا فَاسِدٌ، وَلِكُلِّ حَادِثٍ حُكْمٌ يَتَجَدَّدُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً فِي الْحَالِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا لَا فِي غَيْرِهَا،