الْعَاشِرُ: أَنَّ مَأْخَذَ رَدِّ الْمُرْسَلِ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ احْتِمَالُ ضَعْفِ الْوَاسِطَةِ، وَأَنَّ الْمُرْسَلَ لَوْ سَمَّاهُ لَبَانَ أَنَّهُ لَا يَحْتَجُّ بِهِ، وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ فَإِذَا كَانَ الْمَعْلُومُ مِنْ عَادَةِ الْمُرْسِلِ أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ إلَّا ثِقَةً، وَلَمْ يُسَمِّ مَجْهُولًا، كَانَ مُرْسَلُهُ حُجَّةً، وَإِنْ كَانَ يَرْوِي عَنْ الثِّقَةِ وَغَيْرِهِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، فَقَالَ - وَذَكَرَ حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ فِي الضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ مُرْسَلًا - قَالَ: يَقُولُونَ: يُحَابِي، وَلَوْ حَابَيْنَا حَابَيْنَا الزُّهْرِيَّ، وَإِرْسَالُ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَذَاكَ أَنَّا نَجِدُهُ يَرْوِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ رِوَايَةَ الثِّقَةِ عَنْ غَيْرِهِ، هَلْ هِيَ تَعْدِيلٌ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّ الثِّقَةَ إنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ كَانَتْ تَعْدِيلًا وَإِلَّا فَلَا، كَمَا سَبَقَ، وَمِنْ هُنَا ظَنَّ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي قَبُولِ الشَّافِعِيِّ لِمُرْسَلِ سَعِيدٍ كَوْنُهُ اعْتَبَرَهَا فَوَجَدَهَا مَسَانِيدَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِلَّا كَانَ الِاحْتِجَاجُ حِينَئِذٍ بِالْمُسْنَدِ فِيهَا، وَيَجِيءُ اعْتِرَاضُ الْقَاضِي السَّابِقِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ حَالُ صَاحِبِهَا أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ، حُمِلَ هَذَا الْمُرْسَلُ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ صَحِيحٌ بِهِ، وَلِهَذَا تُقْبَلُ مَرَاسِيلُ الصَّحَابَةِ، وَإِنْ اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ عَنْ تَابِعِيٍّ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُمْ لَا يَرْوُونَ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ عَنْ صَحَابِيٍّ، لَا سِيَّمَا حَالَةَ الْإِطْلَاقِ فَحُمِلَ عَلَى الْغَالِبِ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّ مُرْسَلَ مَنْ بَعْدَ التَّابِعِينَ لَا يُقْبَلُ، وَلَمْ يُحْكَ عَنْ أَحَدٍ قَبُولُهُ لِتَعَدُّدِ الْوَسَائِطِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قُبِلَ لَقُبِلَ مُرْسَلُ الْمُحَدِّثِ الْيَوْمَ، وَبَيْنَهُ.