وَمَنْ قَبِلَ هَذَا قَالَ: هَذَا مَقْبُولٌ مِنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، فَلَا يُقْبَلُ فِي زَمَانِنَا هَذَا، وَقَدْ كَثُرَتْ الرِّوَايَةُ، وَطَالَ الْبَحْثُ، وَاتَّسَعَتْ الطُّرُقُ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ اسْمِ الرَّجُلِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَالْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، إلَّا فِي هَذَا الْأَخِيرِ، فَإِنَّا لَوْ صَادَفْنَا فِي زَمَانِنَا مُتْقِنًا فِي نَقْلِ الْأَحَادِيثِ مِثْلَ مَالِكٍ قَبِلْنَا قَوْلَهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْأَعْصَارِ. اهـ.
وَمَا حَكَاهُ عَنْ الْقَاضِي غَرِيبٌ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ " لَهُ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْمُرْسَلَ مُطْلَقًا، حَتَّى مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ، لَا لِأَجْلِ الشَّكِّ فِي عَدَالَتِهِمْ، وَلَكِنْ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ قَدْ يَرْوُونَ عَنْ تَابِعِيٍّ، إلَّا أَنْ يُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ عَنْ صَحَابِيٍّ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْعَمَلُ بِمُرْسَلِهِ، وَنُقِلَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَدَّ الْمَرَاسِيلَ، وَقَالَ بِهَا بِشُرُوطٍ أُخَرَ. وَقَالَ فِي آخِرِ الشُّرُوطِ: فَاسْتُحِبَّ قَبُولُهَا إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ، قَالَ: وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْحُجَّةَ ثَبَتَتْ بِهَا ثُبُوتَهَا بِالْمُتَّصِلِ، فَنَصَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَبُولَهَا عِنْدَ تِلْكَ الشُّرُوطِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ. هَذَا لَفْظُهُ.
وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: قَبِلَ الشَّافِعِيُّ مُرْسَلَ سَعِيدٍ دُونَ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: إذَا تَبَيَّنَ مِنْ حَالِ الْمُرْسِلِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ صَحَابِيٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ عَنْ رَجُلٍ تَتَّفِقُ الْمَذَاهِبُ عَلَى تَعْدِيلِهِ، صَارَ حُجَّةً. قَالَ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: أَقْبَلُ مِنْ الْمَرَاسِيلِ مَا أَرْسَلَهُ كُلُّ مُعْتَبَرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا قُلْنَاهُ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْوَجِيزِ ": مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَرَاسِيلَ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا إلَّا مَرَاسِيلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَمَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ، وَمَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ ": مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُرْسَلَ بِنَفْسِهِ