فَصْلٌ [تَحْرِيرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَمَلِ بِالْمُرْسَلِ] وَأَمَّا تَحْرِيرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ النَّقْلَ قَدْ اضْطَرَبَ عَنْهُ، فَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرَى الْعَمَلَ بِالْمَرَاسِيلِ إلَّا عِنْدَ شَرِيطَةِ أَنْ يُسْنِدَهُ عَمَّنْ أَرْسَلَهُ، أَوْ يَعْمَلَ بِهِ صَاحِبُهُ، أَوْ الْعَامَّةُ، أَوْ أَنَّ الْمُرْسِلَ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ، وَلِهَذَا اسْتَحْسَنَ مَرَاسِيلَ سَعِيدٍ. وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْمُرْسَلَ مُطْلَقًا، وَلَكِنْ يَتَطَلَّبُ فِيهِ مَزِيدَ تَأْكِيدٍ، لِيَحْصُلَ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي الثِّقَةِ، وَاسْتُنْبِطَ هَذَا مِنْ مَذْهَبِهِ فِي قَبُولِ مَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَاسْتِحْسَانِهِ مَرَاسِيلَ الْحَسَنِ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَرَأَى أَنَّ الرَّاوِيَ الْمَوْثُوقَ بِهِ، الْعَالِمَ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ إذَا قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ وَأَرْضَاهُ، يُوجِبُ الثِّقَةَ بِحَدِيثِهِ، وَإِنْ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، تَوَقَّفَ عَنْهُ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْإِمَامُ الرَّاوِي: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهَذَا بَالِغٌ فِي ثِقَةِ مَنْ رَوَى لَهُ. قَالَ: وَقَدْ عَثَرْت فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا الْمُرْسَلَ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالتَّعْدِيلِ عَلَى الْإِجْمَالِ، فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ، فَكَانَ إضْرَابُهُ عَنْ الْمُرْسَلِ فِي حُكْمِ تَقْدِيمِ الْمَسَانِيدِ عَلَيْهَا. اهـ. وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الشَّافِعِيِّ غَرِيبٌ، وَهُوَ شَيْءٌ ضَعِيفٌ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا. وَقَدْ تَنَاهَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ. وَقَالَ: هَذَا عِنْدِي خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ عَلَى أَصْلِهِ لَا يَكُونُ الْمُرْسَلُ حُجَّةً مَعَهُ بِحَالٍ. قَالَ: وَأَنَا لَا أَعْجَبُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ إنْ كَانَ يَنْصُرُ الْقَوْلَ بِالْمُرْسَلِ