ِ فَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] أَيْ لِيُرْضِعْنَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ فِي الْوَاقِعِ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ - تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الصف: 10 - 11] ثُمَّ قَالَ: {يَغْفِرْ لَكُمْ} وَالْمَعْنَى: آمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ، هَكَذَا جَعَلَ النُّحَاةُ يَغْفِرْ جَوَابًا لِ {تُؤْمِنُونَ} ؛ لِوُقُوعِهِ مَوْقِعَ آمِنُوا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِ {هَلْ أَدُلُّكُمْ} عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: هَلْ تَأْتِينِي أُكْرِمْكَ؛ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ لَا تَجِبُ بِالدَّلَالَةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالْإِيمَانِ، وَقَوْلُهُ {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] وَقِيلَ: إنَّهُ نَهْيٌ مَجْزُومٌ، وَلَكِنْ ضُمَّتْ السِّينُ إتْبَاعًا لِلضَّمِيرِ، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: 75] الْمَعْنَى: مَدَّ. وَقَوْلُهُمْ فِي التَّعَجُّبِ: أَحْسِنْ بِزَيْدٍ، كَقَوْلِهِ: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38] أَيْ مَا أَسْمَعَهُمْ وَأَبْصَرَهُمْ، وَقَوْلُهُ: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] قِيلَ: إنَّهُ خَبَرٌ مَنْفِيٌّ وَاقِعٌ مَوْقِعَ النَّهْيِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.
وَمَنَعَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالسُّهَيْلِيُّ وُرُودَ الْخَبَرِ مُرَادًا بِهِ الْأَمْرَ، وَقَالَ: هُوَ بَاقٍ عَلَى خَبَرِيَّتِهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْخُلْفَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعُصَاةِ، فَإِنَّهُ خَبَرٌ عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ أَيْ أَنَّ حُكْمَهُنَّ أَنْ يَجِبَ أَوْ يُشْرَعَ رَضَاعُهُنَّ أَوْ عَلَيْهِنَّ الرَّضَاعَةُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، بَلْ قِيلَ: إنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الْأَمْرِ الْمَحْضِ. إذَا عَلِمْتَ هَذَا، وَوَرَدَ الْخَبَرُ مُرَادًا بِهِ الْأَمْرَ، فَهَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْأَمْرِ مِنْ الْوُجُوبِ إذَا قُلْنَا: الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ؟ أَوْ يَكُونُ مَخْصُوصًا بِالصِّيغَةِ