وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ؟ فَقَالَ: هَذَا هَذَيَانٌ، لِأَنَّ الْآمِرَ قَدْ يَأْمُرُ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ يَأْمُرُ بَعْدَهُ بِخِلَافِهِ، وَهَذَا جَارٍ فِي قُدْرَةِ الرَّبِّ الْآمِرِ بِهِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَنْ قُدْرَتِهِ الَّتِي تُعْجِزُ الْخَلْقَ عَنْ إبْدَالِ هَذَا الْقُرْآنِ الْمُعْجِزِ الَّذِي يَعْجِزُ الْخَلْقُ عَنْ افْتِعَالِ مِثْلِهِ، وَذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ، وَأَنَّ الرَّسُولَ الَّذِي جَاءَ بِهِ صَادِقٌ، وَأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 106] عَلَى عَجِيبِ قُدْرَتِهِ فِيمَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَفْعَلُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي إنْزَالِ الْآيَاتِ الْمُعْجِزَاتِ بَدَلًا مِنْ الْآيِ الْمُعْجِزِ، وَإِذْ هِيَ آيَاتٌ مُعْجِزَاتٌ لِلْخَلْقِ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، وَلِذَلِكَ أَتَى بِصِفَةِ الْقُدْرَةِ. وَمَعْنَى {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة: 106] أَيْ فِي عَيْنِهَا، وَيَجُوزُ إطْلَاقُ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ أَكْثَرُ ثَوَابًا فِي التِّلَاوَةِ، كَمَا وَرَدَ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: هَذَا كَلَامُ أَبِي الْعَبَّاسِ بَعْدَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا كِفَايَةٌ، ثُمَّ أَخَذَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَنْعِ، وَفِيهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ، وَهِيَ تَحْرِيرُ النَّقْلِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ: أَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا يَذْهَبُ فِي تَأْوِيلِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ إلَى مَنْعِ الْوُقُوعِ، ثُمَّ ثَبَتَ عَلَى الِامْتِنَاعِ، فَاعْرِفْ ذَلِكَ، فَإِنَّ النَّاسَ خَلَطُوا فِي النَّقْلِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ. وَكَذَلِكَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَنْعِ حَرَّرَهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَجِمَاعُ مَا أَقُولُهُ: أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يُنْسَخْ قَطُّ بِسُنَّةٍ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُرِنَا