الْأَخْبَارِ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ، فَنَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ بِأَنْ لَا يَقَعَ إلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ كَصِفَاتِ اللَّهِ، وَخَبَرِ مَا كَانَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ، وَمَا يَكُونُ مِنْ السَّاعَةِ وَآيَاتِهَا، كَخُرُوجِ الدَّجَّالِ، فَلَا يَجُوزُ نَسْخُهُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ "، لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْكَذِبِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَصِحُّ تَغْيِيرُهُ بِأَنْ يَقَعَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا، أَوْ وَعْدًا أَوْ وَعِيدًا، أَوْ خَبَرًا عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ.
فَذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيَّانِ، وَعَبْدُ الْجَبَّارِ، وَالْإِمَامُ الرَّازِيَّ إلَى جَوَازِهِ مُطْلَقًا، وَنَسَبَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ " إلَى الْمُعْظَمِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى الْمَنْعِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ كَمَا رَأَيْته فِي كِتَابِهِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ كَمَا رَأَيْته فِي كِتَابِهِ فِي " النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ "، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، وَالْجُبَّائِيُّ، وَابْنُهُ أَبُو هَاشِمٍ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَابْنُ الْحَاجِبِ. وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: إنَّهُ الْحَقُّ.
وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ، وَمَنَعَ فِي الْمَاضِي لِأَنَّهُ يَكُونُ تَكْذِيبًا، دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ، لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُرْفَعَ، وَلِأَنَّ الْكَذِبَ يَخْتَصُّ بِالْمَاضِي وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى مَنْ لَمْ يَفِ بِالْوَعْدِ مُخْلِفًا لَا كَاذِبًا.
وَهَذَا التَّفْصِيلُ جَزَمَ بِهِ سُلَيْمٌ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ فِي " الْمِنْهَاجِ "، وَسَبَقَهُمَا إلَيْهِ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ، فَقَالَ الْخَبَرُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا يُمْنَعُ نَسْخُهُ كَمَا حَكَاهُ اللَّهُ لَنَا عَنْ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، كَقَوْلِهِ: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] .