وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّ النَّسْخَ يَكُونُ بِأَنْ يُبَدِّلَ مَكَانَهُ شَيْئًا، جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْأَكْثَرَ فِي الْفَرَائِضِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ. الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى أَمْرٍ ثَانٍ بِعِبَارَةِ أُخْرَى، وَالْفَرْضُ الْأَوَّلُ قَدْ تَغَيَّرَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَ أَمَرَ بِهِ أَرَادَ: فِي زَمَانٍ يُوصَفُ، إنَّمَا خَفِيَ ذَلِكَ عَلَيْنَا، وَقُدِّرَ أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا، إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْفَرْضَ الْأَوَّلَ قَدْ تَغَيَّرَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ خَمْسِينَ صَلَاةً، فَكَانَ عَلَيْنَا أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّ الْكُلَّ وَاجِبٌ، فَإِذَا سَقَطَ الْبَعْضُ تَغَيَّرَ الِاعْتِقَادُ الَّذِي كُنَّا قَدْ اعْتَقَدْنَاهُ، فَلَا مَحَالَةَ يَتَغَيَّرُ شَيْءٌ مَا مِنْ الْفَرْضِ الْأَوَّلِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ: الْأُولَى: جَوَازُ النَّسْخِ بِلَا بَدَلٍ، لَا شَكَّ فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ خِلَافُ الْمُعْتَزِلَةِ.
الثَّانِيَةُ: وُقُوعُهُ بِلَا بَدَلٍ أَصْلًا بِحَيْثُ يَعُودُ الْأَمْرُ كَهُوَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرَائِعِ، وَيُتْرَكُونَ غَيْرَ مَحْكُومٍ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي مَنَعَ الشَّافِعِيُّ وُقُوعَهُ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا عَقْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيصِ ".
الثَّالِثَةُ: يُبَدَّلُ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، إمَّا إحْدَاثُ أَمْرٍ مُغَايِرٍ لِمَا كَانَ وَاجِبًا أَوَّلًا كَالْكَعْبَةِ قَبْلَ الْقُدْسِ، أَوْ الْحُكْمِ بِإِبَاحَةِ مَا كَانَ وَاجِبًا كَالْمُنَاجَاةِ، وَالنَّسْخُ لَمْ يَقَعْ إلَّا هَكَذَا، كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَبِهِ صَرَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيصِ "، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَوَازَ النَّسْخِ لَا إلَى بَدَلٍ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ؟ وَلَوْ وَجَبَتْ عِبَادَةٌ فَمِنْ ضَرُورَةِ نَسْخِ وُجُوبِهَا إبَاحَةُ تَرْكِهَا، وَالْإِبَاحَةُ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ الْحُكْمِ الثَّابِتِ أَوَّلًا، وَهُوَ الْوُجُوبُ. قُلْنَا: مِنْ مَذْهَبِ مَنْ يُخَالِفُنَا أَنَّ الْعِبَادَةَ