فِي " الْمُعْتَمَدِ " إلَى الْمُحَقِّقِينَ. قَالَ: لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي لَفْظِ التَّأْبِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي لَفْظِ الْأَمْرِ الْمُبَالَغَةُ لَا الدَّوَامُ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ كَالْمُؤَكَّدِ. وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ انْقِطَاعُ الْمُؤَبَّدِ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] الْآيَةَ جَازَ انْقِطَاعُهُ بِالنَّسْخِ كَالْمُطْلَقِ. وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ تَخْصِيصُ الْحُكْمِ الْمُؤَكَّدِ. وَقَالَ صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ ": ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ جَوَازُ نَسْخِ الْحُكْمِ الْمُصَرَّحِ فِيهِ بِكَلِمَةِ التَّأْبِيدِ، وَمَنَعَهُ جَمَاعَةٌ.
وَقَالَ الْجَصَّاصُ: الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا امْتِنَاعُ نَسْخِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْزَمَنَا اعْتِقَادَ الْحُكْمِ بَاقِيًا عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهُ مُؤَقَّتًا إلَى وَقْتٍ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ، وَالدَّبُوسِيُّ، والبزدويان الْأَخَوَانِ، وَادَّعَى شَارِحُ الْبَزْدَوِيِّ فِي " الْكَشْفِ " الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ التَّنْصِيصَ فِي وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ الزَّمَانِ بِخُصُوصِهِ يَمْنَعُ النَّسْخَ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ تَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِمَا إذَا كَانَ إنْشَاءً، نَحْوُ: صُومُوا أَبَدًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَبَرًا مِثْلَ: الصَّوْمُ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا،