الرَّفْعَ كَفَسْخِ الْعُقُودِ.
وَقَالُوا أَيْضًا: إنَّمَا عَدَلْنَا إلَى الْبَيَانِ احْتِرَازًا عَنْ تَعَارُضِ الرَّافِعِ وَالدَّافِعِ، وَالرَّفْعُ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الدَّفْعِ، وَهَذَا مِنْهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّفْعَ وَالدَّفْعَ مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْأَلْفَاظُ دَلَائِلُ عَلَى إرَادَةِ الشَّارِعِ، وَالشَّارِعُ لَهُ الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ.
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالثَّانِي أَيْضًا بِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ إمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِدَوَامِ الْحُكْمِ أَبَدًا أَوْ إلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ. وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ الرَّفْعُ. أَمَّا إذَا تَعَلَّقَ بِالدَّوَامِ فَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ رَفْعُهُ، لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِ خِلَافِ مَعْلُومِهِ. وَأَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يُعْلَمَ انْتِهَاؤُهُ إلَى الْوَقْتِ، وَإِذَا كَانَ الِانْتِهَاءُ وَاجِبًا فِي ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ الرَّفْعُ الثَّانِي لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ ارْتِفَاعُهُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إذَا تَعَلَّقَ الْعِلْمُ بِالِانْتِهَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَمْتَنِعُ الرَّفْعُ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ تَعَلَّقَ بِالِانْتِهَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِالْحَادِثِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ عَلَى مَا هُوَ بِهِ.
وَتَحْرِيرُ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ السَّابِقَ لَهُ انْعِدَامٌ. وَتَحَقَّقَ انْعِدَامُهُ، لِانْعِدَامِ مُتَعَلَّقِهِ، لَا لِانْعِدَامِ ذَاتِ الْحُكْمِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَأَخِّرَ اللَّاحِقَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِلْأَوَّلِ، وَأَنَّ عِنْدَهُ يَتَحَقَّقُ عَدَمُ الْأَوَّلِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي عَدَمِ الْأَوَّلِ هَلْ هُوَ مُضَافٌ إلَى وُجُودِ الْحُكْمِ الْمُتَأَخِّرِ؟ فَيُقَالُ: إنَّمَا ارْتَفَعَ الْأَوَّلُ لِوُجُودِ الْمُتَأَخِّرِ اللَّاحِقِ، أَوْ لَا يُضَافُ إلَيْهِ بَلْ يُقَالُ: الْحُكْمُ الْأَوَّلُ انْتَهَى، لِأَنَّهُ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُغَيًّا إلَى غَايَةٍ مَعْلُومَةٍ لِلَّهِ، وَقَدْ عَلِمْنَاهَا بِالْحُكْمِ اللَّاحِقِ الْمُتَأَخِّرِ، فَإِذْنُ النِّزَاعِ فِي اسْتِنَادِ عَدَمِ السَّابِقِ إلَى وُجُودِ