الْإِمَامُ الرَّازِيَّ وَمَنْ تَبِعَهُ إلَى الْأَوَّلِ، وَاسْتَدَلَّ فِي " الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ " عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَالِقٌ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ} [الحشر: 24] قَالَ: وَهَذَا التَّرْكِيبُ يُفِيدُ الْحَصْرَ.

وَذَهَبَ الْغَزَالِيُّ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ إلَى الثَّانِي. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَإِنَّمَا أَفَادَ الْحَصْرَ، لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْ الْخَبَر أَوْ مُسَاوِيًا، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ لُغَةً وَعَقْلًا، فَلَا يَجُوزُ: الْحَيَوَانُ إنْسَانٌ، وَلَا: الزَّوْجُ عَشَرَةٌ، بَلْ: الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ، وَالْعَشَرَةُ زَوْجٌ. وَالْعَرَبُ لَمْ تَتَّبِعْ إلَّا الصِّدْقَ، وَالْمُسَاوِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْصُورًا فِي مُسَاوِيهِ. وَالْأَخَصُّ مَحْصُورًا فِي أَعَمِّهِ. وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ أَخَصَّ، وَلَا مُسَاوِيًا. قَالُوا: فَلَوْ لَمْ تَقْتَضِ الْحَصْرَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ أَعَمَّ مِنْ الْخَبَرِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. بَيَانُهُ: أَنَّا إذَا قُلْنَا: الْعَالِمُ زَيْدٌ، فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لَيْسَتْ لِلْجِنْسِ قَطْعًا وَلَا لِلْعَهْدِ، فَتَعَيَّنَ. أَنْ تَكُونَ لِمَاهِيَّةِ الْعَالِمِ، وَتِلْكَ الْمَاهِيَّةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً فِي غَيْرِ زَيْدٍ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ انْحَصَرَتْ الْعَالِمِيَّةُ فِي زَيْدٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي غَيْرِهِ فَتَكُونُ أَعَمَّ مِنْ زَيْدٍ، وَزَيْدٌ أَخَصُّ مِنْهَا. وَقَدْ أَخْبَرْتُمْ عَنْهَا فَلَزِمَ الْإِخْبَارُ بِالْأَعَمِّ عَنْ الْأَخَصِّ، كَمَا ادَّعَيْنَا.

قِيلَ: وَهَذَا الدَّلِيلُ إنَّمَا يَتِمُّ بِجَعْلِ الْعَالِمِ مُخْبِرًا عَنْهُ. وَزَيْدٌ مُخْبِرًا بِهِ. أَمَّا لَوْ جَعَلَ الْعَالِمَ خَبَرًا مُقَدَّمًا عَلَى الْمُخْبَرِ عَنْهُ، فَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ: الْعَالِمُ زَيْدٌ، وَزَيْدٌ الْعَالِمُ. ثُمَّ نَقُولُ: الْعَالِمُ زَيْدٌ يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَأَيْضًا لَوْ جَعَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الْعَالِمِ لِلْمَعْهُودِ، وَهِيَ مَعْنَى الْكَامِلِ وَالْمُشْتَهِرِ فِي الْعَالِمِيَّةِ، فَحِينَئِذٍ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ، وَلَا يُفِيدُ الْحَصْرَ. هَذَا إذَا كَانَ الْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ مَعْرِفَتَيْنِ، وَقَدْ خُيِّرْنَا فِيهِمَا، أَمَّا إذَا كَانَ الْمُبْتَدَأُ مَعْرِفَةً وَالْخَبَرُ نَكِرَةً، نَحْوُ: زَيْدٌ قَائِمٌ، فَلَا حَصْرَ فِيهَا قَطْعًا، فَإِنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ زَيْدٌ فِي الْقِيَامِ قَطْعًا.

وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ: مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ: صَدِيقِي زَيْدٌ، فَلَيْسَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015