الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْمَنْطُوقُ خَرَجَ لِسُؤَالٍ عَنْ حُكْمِ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ، وَلَا حَادِثَةَ خَاصَّةٌ بِالْمَذْكُورِ. وَلَك أَنْ تَقُولَ: كَيْفَ جَعَلُوا هُنَا السَّبَبَ قَرِينَةً صَارِفَةً عَنْ إعْمَالِ الْمَفْهُومِ، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ صَارِفًا عَنْ إعْمَالِ الْعَامِّ، بَلْ قَدَّمُوا مُقْتَضَى اللَّفْظِ عَلَى السَّبَبِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالُوهُ، فَهَلَّا جَرَى فِيهِ خِلَافٌ: الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ أَوْ بِخُصُوصِ السَّبَبِ؟ لَا سِيَّمَا إذَا قُلْنَا: إنَّ الْمَفْهُومَ عَامٌّ. ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ " الْمُسَوَّدَةِ " حَكَى عَنْ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى مِنْ أَصْحَابِهِمْ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ ضَعِيفَةٌ تَسْقُطُ بِأَدْنَى قَرِينَةٌ، بِخِلَافِ اللَّفْظِ الْعَامِّ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْله تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] فَلَا مَفْهُومَ لِلْأَضْعَافِ إلَّا عَنْ النَّهْيِ عَمَّا كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهُ بِسَبَبِ الْآجَالِ، كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ إذَا حَلَّ دَيْنُهُ يَقُولُ لَهُ: إمَّا أَنْ تُعْطِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ، فَيُضَاعَفُ بِذَلِكَ أَصْلُ دَيْنِهِ مِرَارًا كَثِيرَةً، فَنَزَلَتْ الْآيَةُ عَلَى ذَلِكَ.
الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْمَذْكُورُ قُصِدَ بِهِ التَّفْخِيمُ وَتَأْكِيدُ الْحَالِ، كَقَوْلِهِ: (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ) فَإِنَّ التَّقْيِيدَ بِالْإِيمَانِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِتَفْخِيمِ الْأَمْرِ لَا الْمُخَالَفَةِ، وَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ: (إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ) إذْ كَانَ أَصْلُ الرِّبَا عِنْدَهُمْ وَمُعْظَمُهُ إنَّمَا هُوَ النَّسِيئَةُ.
السَّادِسُ: أَنْ يُذْكَرَ مُسْتَقِلًّا، فَلَوْ ذُكِرَ عَلَى جِهَةِ التَّبَعِيَّةِ لِشَيْءٍ آخَرَ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]