لَكِنْ يُسَمِّي أَكْثَرُهُمْ الْأَوَّلَ بِفَحْوَى الْخِطَابِ. وَالثَّانِي بِلَحْنِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي دَلَالَةِ النَّصِّ عَلَيْهِ: هَلْ هِيَ لَفْظِيَّةٌ أَوْ قِيَاسِيَّةٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، حَكَاهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي " الْأُمِّ ". وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ أَنَّهُ قِيَاسٌ، وَهُوَ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ كَلَامَهُ فِي " الرِّسَالَةِ "، وَأَوْضَحَهُ بِالْأَمْثِلَةِ.
ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ مَنَعَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُسَمَّى بَيَانًا، لِأَنَّهُ نَقَلَهُ مِنْ النَّصِّ. وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ قِيَاسٌ. وَكَذَا الْهِنْدِيُّ فِي " النِّهَايَةِ ". وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ: ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ جُلَّةٌ سَيِّدُهُمْ الشَّافِعِيُّ، إلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَذْكُورَ هُوَ الْمُسَمَّى بِاسْمِهِ، وَهُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى الْعُمُومِ، وَإِذَا كَانَ بِهِ عَقْلٌ كَانَ هُوَ الْأَصْلَ، وَكَانَ مِمَّا نَبَّهَ عَلَيْهِ فَرْعُهُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " شَرْحِ اللُّمَعِ ": إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فَذَكَرَهُ فِي أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ. وَقَالَ سُلَيْمٌ فِي " التَّقْرِيبِ ": الشَّافِعِيُّ يُومِئُ إلَى أَنَّهُ قِيَاسٌ جَلِيٌّ، لَا يَجُوزُ وُرُودُ الشَّرْعِ بِخِلَافِهِ.
قَالَ: وَأَنْكَرَ دَاوُد الْمَفْهُومَ. قَالَ: وَذَهَبَ الْمُتَكَلِّمُونَ بِأَسْرِهِمْ: الْأَشْعَرِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّأْفِيفِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْأَذَى مُسْتَفَادٌ مِنْ النُّطْقِ. انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذَاهِبِ أَنَّهُ جَارٍ مَجْرَى النُّطْقِ لَا مَجْرَى الْقِيَاسِ، وَسَمَّاهُ الْحَنَفِيَّةُ دَلَالَةَ النَّصِّ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ بِقِيَاسٍ وَلَا يُسَمَّى دَلَالَةَ النَّصِّ، لَكِنَّ دَلَالَتَهُ لَفْظِيَّةٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقِيلَ: إنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّأْفِيفِ مَثَلًا مَنْقُولٌ بِالْعُرْفِ عَنْ مَوْضُوعِهِ اللُّغَوِيِّ إلَى الْمَنْعِ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذَى.