قَدْ يَكُونُ الْبَيَانُ مُنْفَصِلًا، وَهُوَ كَثِيرٌ، وَقَدْ يَكُونُ مُتَّصِلًا كَتَبْيِينِهِ تَعَالَى الْمُرَادَ مِنْ الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] .
[الْمَسْأَلَةُ] الْعَاشِرَةُ
إذَا صَدَرَ مِنْ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِعْلٌ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْبَيَانِ فِي مَكَان أَوْ زَمَانٍ، لَمْ يَتَقَيَّدْ مُوجَبُ الْبَيَانِ بِهِمَا.
وَقَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ يَتَقَيَّدُ بِالْمَكَانِ، وَلَا يَتَخَصَّصُ بِالزَّمَانِ، وَأَبْعَدَ قَوْمٌ فَقَالُوا: يَتَخَصَّصُ بِالزَّمَانِ. حَكَاهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ، ثُمَّ قَالَ: فَنَقُولُ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْقَوْلَ الصَّادِرَ مِنْ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِبَيَانِ الْحُكْمِ لَا يَتَضَمَّنُ تَخْصِيصَ الِامْتِثَالِ بِمَكَانٍ وَلَا زَمَانٍ، فَكَذَا الْفِعْلُ. وَأَمَّا السَّرَخْسِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فَنَقَلَ عَنْ أَصْحَابِنَا التَّقْيِيدَ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَعَنْ أَصْحَابِهِمْ خِلَافَهُ. قَالَ: وَلِهَذَا كَانَ إحْرَامُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَقْتَضِي التَّقْيِيدَ بِتِلْكَ الْأَشْهُرِ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَكَذَلِكَ فِعْلُهُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَلْفَ الْمَقَامِ، فَتَحَصَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ حَيْثُ يَلِيقُ دُخُولُهُمَا كَمَا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَالصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا.