ِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ " الرِّسَالَةِ "، وَرَتَّبَهَا خَمْسَةَ أَقْسَامٍ، بَعْضُهَا أَوْضَحُ بَيَانًا مِنْ بَعْضٍ.
فَأَوَّلُهَا: بَيَانُ التَّأْكِيدِ، وَهُوَ النَّصُّ الْجَلِيُّ الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ تَأْوِيلٌ، كَقَوْلِهِ فِي صَوْمِ التَّمَتُّعِ: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ بَيَانَ التَّقْرِيرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْمَجَازَ وَالْعَامَّ الْمَخْصُوصَ فَيَكُونُ الْبَيَانُ قَاطِعًا لِلِاحْتِمَالِ، مُقَرِّرًا لِلْحُكْمِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ الظَّاهِرُ.
ثَانِيهَا: النَّصُّ الَّذِي يَنْفَرِدُ بِدَرْكِهِ الْعُلَمَاءُ " كَالْوَاوِ، وَإِلَى " فِي آيَةِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ يَقْتَضِيَانِ مَعَانِيَ مَعْلُومَةً عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ.
ثَالِثُهَا: نُصُوصُ السُّنَّةِ الْوَارِدَةُ بَيَانًا لِمُشْكِلٍ فِي الْقُرْآنِ، كَالنَّصِّ عَلَى مَا يَخْرُجُ زَمَنَ الْحَصَادِ مَعَ تَقَدُّمِ قَوْلِهِ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ مِقْدَارُ هَذَا الْحَقِّ.
وَرَابِعُهَا: نُصُوصُ السُّنَّةِ الْمُبْتَدَأَةُ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَصٌّ عَلَيْهَا بِالْإِجْمَالِ، وَلَا بِالتَّفْسِيرِ وَدَلِيلُ كَوْنِ هَذَا الْقِسْمِ مِنْ بَيَانِ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] .
خَامِسُهَا: بَيَانُ الْإِشَارَةِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الْمُسْتَنْبَطُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِثْلُ الْأَلْفَاظِ الَّتِي اُسْتُنْبِطَتْ مِنْهَا الْمَعَانِي، وَقِيسَ عَلَيْهَا غَيْرُهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ