ُ وَهُوَ يَجْرِي فِي شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْفُرُوعُ، وَهُوَ مَحَلُّ وِفَاقٍ. وَالثَّانِي: الْأُصُولُ، كَالْعَقَائِدِ وَأُصُولِ الدِّيَانَاتِ وَصِفَاتِ الْبَارِي الْمُوهِمَةِ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى ثَلَاثِهِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلتَّأْوِيلِ فِيهَا، بَلْ تَجْرِي عَلَى ظَاهِرِهَا، وَلَا يُؤَوَّلُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَهُمْ الْمُشَبِّهَةُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ لَهَا تَأْوِيلًا، وَلَكِنَّا نُمْسِك عَنْهُ مَعَ تَنْزِيهِ اعْتِقَادِنَا عَنْ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ، لِقَوْلِهِ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: وَهَذَا قَوْلُ السَّلَفِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ، وَأَوَّلُوهَا، قَالَ: وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ وَالْآخَرَانِ مَنْقُولَانِ عَنْ الصَّحَابَةِ، فَنُقِلَ الْإِمْسَاكُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، لِأَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ الِاسْتِوَاءِ، فَقَالَتْ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِب، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَكَذَلِكَ سُئِلَ عَنْهُ مَالِكٌ، فَأَجَابَ بِمَا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ إلَّا أَنَّهُ زَادَ فِيهِ أَنَّ مَنْ عَادَ إلَى هَذَا السُّؤَالِ أَضْرِبُ عُنُقَهُ. وَكَذَلِكَ سُئِلَ عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَقَالَ: أَفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] مَا أَفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29] وَنُقِلَ التَّأْوِيلُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا. وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ: أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْقُرْآنِ