وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ الظِّهَارِ: إنَّ عَلَيْهِ جُمْهُورَ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ سُلَيْمٌ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ. وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِمْ.
وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. قَالَ: وَأَقْرَبُ طَرِيقِ هَؤُلَاءِ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ فِي حُكْمِ الْخِطَابِ الْوَاحِدِ، وَحَقُّ الْخِطَابِ الْوَاحِدِ أَنْ يَتَرَتَّبَ فِيهِ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ قَالَ: وَهَذَا مِنْ فُنُونِ الْهَذَيَان، فَإِنَّ قَضَايَا الْأَلْفَاظِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُخْتَلِفَةٌ مُتَبَايِنَةٌ، لِبَعْضِهَا حُكْمُ التَّعَلُّقِ وَالِاخْتِصَاصِ، وَلِبَعْضِهَا حُكْمُ الِاسْتِدْلَالِ وَالِانْقِطَاعِ، فَمَنْ ادَّعَى تَنْزِيلَ جِهَاتِ الْخِطَابِ عَلَى حُكْمِ كَلَامٍ وَاحِدٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ، وَالْأَمْرَ وَالزَّجْرَ، وَالْأَحْكَامَ الْمُتَغَايِرَةَ فَقَدْ ادَّعَى أَمْرًا عَظِيمًا، وَلَا تُغْنِي فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى اتِّحَادِ الْكَلَامِ الْأَزَلِيِّ، وَمُضْطَرِبُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْأَلْفَاظِ وَقَضَايَا الصِّيَغِ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ لَا مِرَاءَ فِي اخْتِلَافِهَا، فَسَقَطَ هَذَا الظَّنُّ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ اللَّفْظِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَمَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ حَصَلَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ يَقْتَضِي تَقْيِيدَهُ بِهِ قُيِّدَ، وَإِلَّا أُقِرَّ الْمُطْلَقُ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَالْمُقَيَّدُ عَلَى تَقْيِيدِهِ. قَالَ الْآمِدِيُّ: هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَصَحَّحَهُ هُوَ وَالْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَأَتْبَاعُهُمَا. وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا نَقَلُوا عَنْهُ الْأَوَّلَ، وَهُمْ أَعْرَفُ مِنْ الْآمِدِيَّ بِذَلِكَ. وَفِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيَّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى