سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ بِحُجَّةٍ، لَمْ يُحْمَلْ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: حُجَّةٌ حُمِلَ. وَلَا بُدَّ فِي الْحَمْلِ مِنْ تَقْدِيمِ كَوْنِ الْقَيْدِ شَرْطًا فِيمَا قُيِّدَ بِهِ. وَالْأُصُولِيُّونَ قَدْ أَهْمَلُوا ذِكْرَهُ هُنَا لِوُضُوحِهِ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَاعْتَبَرَا مَعْنَى الْمُقَيَّدِ، فَإِنْ كَانَ خَاصًّا ثَبَتَ حُكْمُ التَّقْيِيدِ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا يَسْقُطُ حُكْمُهُ، فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43] إلَى قَوْلِهِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] فَتَقْيِيدُ التَّيَمُّمِ بِالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ شَرْطٌ فِي إبَاحَتِهِ.
وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: 101] إلَى قَوْلِهِ: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] فَلَيْسَ الْخَوْفُ شَرْطًا فِي الْقَصْرِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ الْمَقْصُودُ بَعْدَ ثُبُوتِ كَوْنِ التَّقْيِيدِ شَرْطًا فِي الْمُقَيَّدِ، فَيَنْقَسِمُ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ إلَى أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَخْتَلِفَا فِي السَّبَبِ وَالْحُكْمِ، فَلَا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالِاتِّفَاقِ، كَتَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ بِالْعَدَالَةِ، وَإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ. وَشَرَطَ الْآمِدِيُّ أَنْ يَكُونَا ثُبُوتِيَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، كَمَا إذَا قَالَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ: أَعْتَقَ رَقَبَةً، وَقَالَ: لَا تَمْلِكُ رَقَبَةٌ كَافِرَةٌ، فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُقَيَّدَ يُوجِبُ تَقْيِيدَ الرَّقَبَةِ الْمُطْلَقَةِ بِالْمُسْلِمَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الِاتِّفَاقَ فِي هَذَا الْقِسْمِ نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَإِلْكِيَا، وَابْنُ بَرْهَانٍ، وَالْآمِدِيَّ وَغَيْرُهُمْ، وَذَكَرَ الْبَاجِيُّ عَنْ الْقَاضِي مُحَمَّدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ فِي هَذَا حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ