تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي جَوَازِ النَّسْخِ وَجْهَانِ. اهـ. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، أَعْنِي قَطْعَهُ بِجَوَازِ التَّخْصِيصِ بِهِ مَعَ تَرْجِيحِهِ كَوْنَهُ قِيَاسًا. وَكَانَ يَتَّجِهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ، لَكِنَّهُ هُنَا أَوْلَى بِالْجَوَازِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَنَّ دَلَالَتَهُ لَفْظِيَّةٌ، وَرُبَّمَا أَيَّدَ ذَلِكَ بِدَعْوَى الْآمِدِيَّ وَالْإِمَامِ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِيهِمَا، أَمَّا مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ كَمَا إذَا وَرَدَ عَامٌّ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْغَنَمِ، كَقَوْلِهِ: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ، ثُمَّ قَالَ: «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ» . فَإِنَّ الْمَعْلُوفَةَ خَرَجَتْ بِالْمَفْهُومِ، فَيُخَصَّصُ بِهِ عُمُومُ الْأَوَّلِ.
وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّخْصِيصِ بِهِ، وَمَثَّلَ بِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ: إذَا وَرَدَ الْعُمُومُ مُجَرَّدًا مِنْ صِفَةٍ، ثُمَّ أُعِيدَ بِصِفَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ: اُقْتُلُوا أَهْلَ الْأَوْثَانِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، كَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلتَّخْصِيصِ بِالِاتِّفَاقِ، وَيُوجِبُ الْمَنْعَ مِنْ قَتْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَيُخَصَّصُ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْعُمُومِ. اهـ.
وَلَيْسَ كَمَا قَالَا، فَفِي شَرْحِ اللُّمَعِ "، إنْ قُلْنَا: إنَّ الْمَفْهُومَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، امْتَنَعَ التَّخْصِيصُ بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: حُجَّةٌ، ابْتَنَى عَلَى أَنَّهُ فِي أَنَّهُ كَالنُّطْقِ أَوْ كَالْقِيَاسِ؛ فَإِنْ قُلْنَا: كَالنُّطْقِ، جَازَ التَّخْصِيصُ بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: قِيَاسٌ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فِي التَّخْصِيصِ بِهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي جَوَازِ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ. اهـ.
وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ كَجٍّ بِالْخِلَافِ، فَقَالَ: عِنْدَنَا دَلِيلُ الْخِطَابِ يَخُصُّ