عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ يُخَصُّ بِالْقَرَائِنِ. قَالَ: وَيَشْهَدُ لَهُ مُخَاطَبَاتُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، حَيْثُ يَقْطَعُونَ فِي بَعْضِ الْمُخَاطَبَاتِ بِعَدَمِ الْعُمُومِ بِنَاءً عَلَى الْقَرِينَةِ، وَالشَّرْعُ يُخَاطِبُ النَّاسَ بِحَسَبِ تَعَارُفِهِمْ.
قَالَ: وَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْك التَّخْصِيصُ بِالْقَرَائِنِ بِالتَّخْصِيصِ بِالسَّبَبِ، كَمَا اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِنَّ التَّخْصِيصَ بِالسَّبَبِ غَيْرُ مُخْتَارٍ، فَإِنَّ السَّبَبَ وَإِنْ كَانَ خَاصًّا فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُورَدَ لَفْظٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُهُ وَغَيْرَهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَلَا يَنْتَهِضُ السَّبَبُ بِمُجَرَّدِهِ قَرِينَةً لِرَفْعِ هَذَا، بِخِلَافِ السِّيَاقِ فَإِنَّ بِهِ يَقَعُ التَّبْيِينُ وَالتَّعْيِينُ، أَمَّا التَّبْيِينُ فَفِي الْمُجْمَلَاتِ، وَأَمَّا التَّعْيِينُ فَفِي الْمُحْتَمَلَاتِ. وَعَلَيْك بِاعْتِبَارِ هَذِهِ فِي أَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمُحَاوَرَاتِ تَجِدُ مِنْهُ مَا لَا يُمْكِنُك حَصْرُهُ قَبْلَ اعْتِبَارِهِ. انْتَهَى.
مَسْأَلَةٌ
يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْمَفْهُومِ، سَوَاءٌ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، فَقَالَ: نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى الْقَوْلِ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ، وَعَلَى أَنَّهُ يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قُلْت: إنَّهُ يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ، وَقَدْ يَرِدُ مِنْ التَّخْصِيصِ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَى الْعُمُومِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ دَلِيلَ الْخِلَافِ يَجْرِي مَجْرَى الْقِيَاسِ فِي بَابِ الْقُوَّةِ، فَلِهَذَا جَازَ التَّخْصِيصُ بِهِ. قَالَ: