عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا مَنْفِيَّةٌ. وَقَدْ تَكُونُ خَرَجَتْ مَعَهُمْ، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَهَلَكَتْ. قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ
وَمِنْهُ مَا يَتَضَمَّنُ عَوْدَهُ إلَى الْأَخِيرَةِ فَقَطْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] ، فَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وَهُوَ الدِّيَةُ لَا الْكَفَّارَةُ.
وَجَعَلَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ آيَةَ الْقَذْفِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ ثَلَاثَ جُمَلٍ، وَعَقَّبَهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ، فَلَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ إلَى الْأُولَى بِالِاتِّفَاقِ؛ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِبُعْدِهِ عَنْ آخِرِ مَذْكُورٍ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلِخُرُوجِهِ بِدَلِيلٍ، وَهُوَ أَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَا إلَى الثَّانِيَةِ لِتَقَيُّدِهَا بِالتَّأْبِيدِ. وَبِهِ يَقُومُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْأَخِيرَةِ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ: بَلْ رَاجِعٌ إلَى الشَّهَادَةِ فَقَطْ لِأَنَّ التَّفْسِيقَ
خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ، وَالتَّعْلِيلُ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ هُوَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ، فَالِاسْتِثْنَاءُ بِهِ أَوْلَى.
وَمِنْهُ مَا يَتَعَيَّنُ عَوْدُهُ إلَى الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 28] إلَى قَوْلِهِ: {إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28] فَهُوَ عَائِدٌ إلَى النَّهْيِ الْأَوَّلِ دُونَ الْخَبَرِ الثَّانِي: وَقَوْلُهُ: {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} [البقرة: 249] ، فَهَذَا مُخْتَصٌّ بِالْأَوَّلِ، وَلَا يَجُوزُ عَوْدُهُ إلَى الْأَخِيرِ، وَإِلَّا يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً لَيْسَ مِنْهُ،