وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلَ: بِأَنَّ " مَنْ، وَمَا " إذَا كَانَتَا مَوْصُولَتَيْنِ لَا تَعُمَّانِ، يَقُولُ بِأَنَّ " الَّذِي وَاَلَّتِي " وَفُرُوعَهُمَا لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ.
أَمَّا الْحُرُوفُ الْمُوصَلَةُ فَلَيْسَتْ لِلْعُمُومِ اتِّفَاقًا.
وَإِنَّمَا يَكُونُ " الَّذِي " إذَا كَانَتْ جِنْسِيَّةً، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [البقرة: 4] {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} [الأنبياء: 101] {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} [النساء: 10] وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعُمُومَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُسْتَفَادٌ مِنْ الصِّيغَةِ. أَمَّا الْعَهْدِيَّةُ فَلَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ} [غافر: 30] {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] أَوْ نَحْوِهِ.
وَعَدَّ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ الصِّيَغِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الْمَوْصُولَةَ الدَّاخِلَةَ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، فَلَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ: الضَّارِبُ مِنْكُمْ زَيْدًا حُرٌّ، وَلِنِسَائِهِ: الدَّاخِلَةُ مِنْكُنَّ الدَّارَ طَالِقٌ، عَتَقَ الْجَمِيعُ وَطُلِّقَ الْكُلُّ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ إنَّهَا اسْمٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ لِمَا فِي الصِّفَةِ مِنْ الْجِنْسِيَّةِ وَتَكُونُ مُشْعِرَةً بِذَلِكَ وَمَنَعَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا عُمُومَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ الْمَوْصُولَةِ، قَالَ: لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ دَاخِلَةٌ فِي الْمُوصَلَاتِ، فَلَهُ حُكْمُ الْعُمُومِ لِجَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَخَرَجَ مِنْ هَذَا أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْأُصُولِيِّينَ فِي إثْبَاتِ الْعُمُومِ مِنْ الْمُشْتَقَّاتِ الْمُعَرَّفَةِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، مِثْلُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] ، لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ نَظَرٌ، لِمَا قَدَّمْنَا.