وَالصَّوَابُ: أَنَّ خِلَافَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِغَيْرِهِ، أَمَّا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ لِعَيْنِهِ فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي فَسَادِهِ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي تَقْوِيمِ الْأَدِلَّةِ " وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ " وَقَرَّرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَهُوَ الْأَثْبَتُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا حَنَفِيًّا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ فِي الْعِبَادَاتِ دُونَ الْعُقُودِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ، وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعُدَّةِ " عَنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا، وَحَكَاهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ عَنْ اخْتِيَارِ الْغَزَالِيِّ وَالْإِمَامِ الرَّازِيَّ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُسْتَصْفَى " لَكِنَّ كَلَامَهُ فِي ذَيْلِ الْمَسْأَلَةِ يَقْتَضِي تَفْصِيلًا آخَرَ سَنَذْكُرُهُ. وَقَدْ خَالَفَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي كُتُبِهِ الْفِقْهِيَّةِ، فَقَالَ فِي الْوَسِيطِ ": عِنْدَنَا أَنَّ مُطْلَقَ النَّهْيِ عَنْ الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ فَإِنَّ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ هُوَ الْمَشْرُوعُ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي عَيْنِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَمْ يَكُنْ صَحِيحًا إلَّا إذَا ظَهَرَ تَعَلُّقُ النَّهْيِ بِأَمْرٍ عَنْ الْعَقْدِ اتَّفَقَ مُجَاوَزَتُهُ الْعَقْدَ، كَالنَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ. وَقَسَّمَ الْمَنَاهِيَ إلَى مَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ، كَالنَّجْشِ وَالْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَإِلَى مَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ إمَّا لِتَطَرُّقِ خَلَلٍ إلَى الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلنَّهْيِ تَعَلُّقٌ سِوَى الْعَقْدِ فَحُمِلَ عَلَى الْفَسَادِ، كَبَيْعِ حَبْلِ الْحَبَلَةِ وَبَيْعِ الْحَصَاةِ وَبُيُوعِ الْغَرَرِ وَأَشْبَاهِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يُؤَوَّلَ كَلَامُ الْمُسْتَصْفَى " عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ تَنَاقُضًا، وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى اقْتِضَائِهِ الْفَسَادَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَلَا يَسْتَقِيمُ مِنْ شَافِعِيٍّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّهْيَ فِي الْعُقُودِ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَكَذَلِكَ إطْلَاقُهُ الْفَسَادَ فِي الْعِبَادَاتِ، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ النَّهْيُ عَنْهَا لِعَيْنِهَا فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015