الْفَسَادِ ظَاهِرًا لَا قَطْعًا، وَقَيَّدَهُ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَوْضِيحِهِ " بِالتَّحْرِيمِ، فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: حُرْمَةُ الشَّيْءِ لِوَصْفِهِ تُضَادُّ وُجُوبَ أَصْلِهِ، وَهَذَا تَقْيِيدٌ حَسَنٌ لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ أَنْ يَقُولَ ظَاهِرُهُ إذَا جَعَلَ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِالنَّهْيِ الْمُحَرَّمِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَلَا تَرِدُ الْكَرَاهَةُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ هَذَا الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ تَرْجِعُ إلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الشَّارِعَ إذَا أَمَرَ بِشَيْءٍ مُطْلَقًا ثُمَّ نَهَى عَنْهُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ هَلْ يَقْتَضِي ذَلِكَ النَّهْيُ إلْحَاقَ شَرْطِ الْمَأْمُورِ بِهِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ ذَلِكَ الشَّرْطِ وَيَصِيرُ الْفِعْلُ الْوَاقِعُ بِدُونِهِ كَالْعَدَمِ كَمَا فِي الْفِعْلِ الَّذِي اخْتَلَّ مِنْهُ شَرْطُهُ الثَّابِتُ بِشَرْطِيَّتِهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ أَمْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ؟ مِثَالُهُ الْأَمْرُ بِالصَّوْمِ وَالنَّهْيُ عَنْ إيقَاعِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَالْأَمْرُ بِالطَّوَافِ وَالنَّهْيُ عَنْ إيقَاعِهِ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَغَيْرِهِ، فَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ قَالُوا: النَّهْيُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَإِلْحَاقُ شَرْطٍ بِالْمَأْمُورِ بِهِ لَا يُثْبِتُ صِحَّتَهُ بِدُونِهِ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى تَخْصِيصِ الْفَسَادِ بِالْوَصْفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ دُونَ الْأَصْلِ الْمُتَّصِفِ بِهِ حَتَّى لَوْ أَتَى بِهِ الْمُكَلَّفُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ يَكُونُ صَحِيحًا بِحَسَبِ الْأَصْلِ فَاسِدًا بِحَسَبِ الْوَصْفِ إنْ كَانَ ذَلِكَ النَّهْيُ نَهْيَ فَسَادٍ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ النَّهْيِ عِنْدَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ بَلْ عَلَى الصِّحَّةِ، كَمَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ عِنْدَهُمْ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إيقَاعُهُ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، فَإِنْ أَوْقَعَهُ فِيهِ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا، وَيَقَعُ عَنْ نَذْرِهِ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ الطَّوَافُ وَيُجْزِئُهَا عَنْ طَوَافِ الْفَرْضِ حَتَّى يَقَعَ بِهِ التَّحَلُّلُ وَإِذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ، وَصَحَّ فِي الْقَدْرِ الْمُسَاوِي، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: صَحِيحٌ بِأَصْلِهِ فَاسِدٌ بِوَصْفِهِ وَبَالَغُوا فِي التَّخْرِيجِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ حَتَّى قَالُوا: إنَّ الزِّنَى يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ مِنْ أُمِّ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَبِنْتِهَا، وَإِنَّ الْكُفَّارَ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَلَكُوهَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015