فُرِضَ أَنَّ الِانْتِهَاءَ يَحْصُلُ بِدُونِ فِعْلِ الضِّدِّ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ إلَى فِعْلِ الضِّدِّ لَكِنَّ ذَلِكَ فَرْضٌ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ الِانْتِهَاءُ، وَأَمَّا فِعْلُ الضِّدِّ فَلَا يُقْصَدُ إلَّا بِالِالْتِزَامِ بَلْ قَدْ لَا يُقْصَدُ أَصْلًا، وَلَا يَسْتَحْضِرُ الْمُتَكَلِّمُ، وَمَتَى قَصَدَ فِعْلَ الضِّدِّ وَطَلَبَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَانَ أَمْرًا؛ لَا نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ. وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي حَمْلُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هَاشِمٍ: إنَّ الْمَطْلُوبَ نَفْسُ " لَا تَفْعَلْ " فَهُوَ وَإِنْ تَبَادَرَ إلَى الذِّهْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ حَرْفَ النَّهْيِ وَرَدَ عَلَى الْفِعْلِ، فَقَدْ طَلَبَ مِنْهُ عَدَمَهُ لَكِنَّ نَفْسَ أَنْ " لَا تَفْعَلَ " عَدَمٌ مَحْضٌ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ وَلَا يُطْلَبُ، وَإِنَّمَا يُطْلَبُ، مِنْ الْمُكَلَّفِ مَا لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ، فَلَعَلَّ مُرَادَ أَبِي هَاشِمٍ الَّذِي هُوَ مِنْ الِانْتِهَاءِ، وَالِانْتِهَاءُ فِعْلٌ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ تَقَارَبَ الْمَذْهَبَانِ، وَيَكُونُ الْجُمْهُورُ نَظَرُوا إلَى حَقِيقَةِ مَا هُوَ مُكَلَّفٌ بِهِ، وَأَبُو هَاشِمٍ نَظَّرَ إلَى الْمَقْصُودِ بِهِ، وَهُوَ إعْدَامُ دُخُولِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الْوُجُودِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ أَبُو هَاشِمٍ ذَلِكَ وَأَرَادَ أَنَّ الْعَدَمَ الصِّرْفَ الَّذِي لَا صُنْعَ لِلْمُكَلَّفِ فِي تَحْصِيلِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: [الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ] سَأَلُوا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَنَا: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ هُوَ مَعْنَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِعْلُ الضِّدِّ، وَمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا بِضِدِّهِ هُوَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ انْتِفَاءُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَالْمَسْأَلَتَانِ وَاحِدَةٌ. وَأَجَابَ الْأَصْفَهَانِيُّ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بَحْثٌ لَفْظِيٌّ، وَفِي هَذِهِ مَعْنَوِيٌّ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَفْظًا أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْمَعْنَوِيَّ مَأْمُورٌ بِهِ عَلَى مَا قَالَهُ فَيَحْصُلُ الِاشْتِبَاهُ.