سُلَيْمُ كَالصَّوْمِ فِي الْعِيدَيْنِ، وَكَقَوْلِهِ: لَا تَكْفُرْ فَإِنَّهُ أَمْرٌ بِالْإِيمَانِ.
وَإِنْ كَانَ لَهُ أَضْدَادٌ كَثِيرَةٌ فَهُوَ أَمْرٌ بِضِدٍّ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى تَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إلَّا بِهِ، فَأَمَّا إثْبَاتُ الْأَمْرِ بِسَائِرِ الْأَضْدَادِ فَلَا مَعْنَى لَهُ، وَحَكَاهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ " عَنْ الْعُلَمَاءِ قَاطِبَةً. وَقَالَ صَاحِبُ اللُّبَابِ " مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: النَّهْيُ يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِضِدِّهِ إنْ كَانَ ذَا ضِدٍّ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَضْدَادٌ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ: لَا يَقْتَضِي أَمْرًا بِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقْتَضِي أَمْرًا بِالْوَاحِدِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا. انْتَهَى.
وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلًا ثَالِثًا: أَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ بِشَيْءٍ مُطْلَقًا، وَشَنَّعَ عَلَى مَنْ قَالَ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذِي أَضْدَادٍ أَمْرٌ بِأَحَدِ أَضْدَادِهِ، فَقَالَ: مَنْ قَالَ: إنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِأَحَدِ أَضْدَادِهِ فَقَدْ اقْتَحَمَ أَمْرًا عَظِيمًا، وَبَاحَ بِالْتِزَامِ مَذْهَبِ الْكَعْبِيِّ فِي نَفْيِ الْإِبَاحَةِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا صَارَ إلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ قَالَ: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ الْأَضْدَادِ، وَيَتَضَمَّنُ لِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ تَفَطَّنَ لِغَائِلَةِ الْمَعْنَى فَقَدْ نَاقَضَ كَلَامَهُ فَإِنَّهُ كَمَا يَسْتَحِيلُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ دُونَ الِانْكِفَافِ عَنْ أَضْدَادِهِ فَيَسْتَحِيلُ الِانْكِفَافُ عَنْ الْمَنْهِيِّ [عَنْهُ] دُونَ الِاتِّصَافِ بِأَحَدِ أَضْدَادِهِ. وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ أَنَّ هَاهُنَا شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَوْنُ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ هَلْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ أَمْ لَا؟ الثَّانِي: الْمَأْمُورُ بِشَيْءٍ مَنْهِيٌّ عَنْ جَمِيعِ أَضْدَادِهِ، وَأَنَّ الْآمِرَ بِهِ نَاهٍ عَنْ جَمِيعِ الْأَضْدَادِ.