الصَّادِرَةِ عَنْ الْمُشَاهَدَاتِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ الَّتِي يُخَصُّ بِهَا الْعُقَلَاءُ.
وَحَاصِلُهُ: الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الْوَاجِبَاتِ، وَاسْتِحَالَةِ الْمُسْتَحِيلَاتِ، وَجَوَازِ الْجَائِزَاتِ، وَقِيلَ: إنَّهُ عُلُومٌ بَدِيهِيَّةٌ كُلُّهُ. قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: فَقُلْت لَهُ: أَفَتَخُصُّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الضَّرُورَةِ بِوَصْفٍ؟ قَالَ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَا صَحَّ مَعَ الِاسْتِنْبَاطِ. وَالْحَقُّ: أَنَّ الْعَقْلَ الْغَرِيزِيَّ لَيْسَ بِالْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ، إذْ الْإِنْسَانُ يُوصَفُ بِالْعَقْلِ مَعَ ذُهُولِهِ عَنْ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ. قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ بَعْدَ إبْطَالِهِ قَوْلَ الْقَاضِي فِي الْعَقْلِ: وَعِنْدَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْعَقْلَ غَرِيزَةٌ تَلْزَمُهَا هَذِهِ الْعُلُومُ الْبَدِيهِيَّةُ مَعَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْعِبَارَةُ الْوَجِيزَةُ فِيهِ: عُلُومٌ ضَرُورِيَّةٌ بِاسْتِحَالَةِ مُسْتَحِيلَاتٍ وَجَوَازِ جَائِزَاتٍ. أَوْ نُورٌ يُقْبِلُ مِنْ النُّورِ الْأَعْلَى بِمِقْدَارِ مَا يَحْتَمِلُهُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ بِالْمَجْنُونِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ لَكِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَبُولِ حَائِلٌ كَمَا فِي نُورِ الشَّمْسِ مَعَ السَّحَابِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: هُوَ غَرِيزِيٌّ وَضَرُورِيٌّ وَهُمَا نَظَرِيٌّ وَتَجْرِيبِيٌّ، وَالْعِلْمُ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَهُمَا مُكْتَسَبَانِ. وَقَالَ ابْنُ فُورَكٍ: هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يُمْتَنَعُ بِهِ عَنْ فِعْلِ الْقَبِيحِ.
وَاخْتَارَ الْآمِدِيُّ: أَنَّهُ الْعُلُومُ الضَّرُورِيَّةُ الَّتِي لَا خُلُوَّ لِنَفْسِ الْإِنْسَانِ عَنْهَا بَعْدَ كَمَالِ آلَةِ الْإِدْرَاكِ وَعَدَمِ أَضْدَادِهَا، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ. وَحَكَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَوْلَانِ